يتطلب الخروج إلى المستقبل الذي نريد اقتصاديا اطلاق العنان لقطاع الأعمال وعدم التضييق عليه أو محاولة توجيهه أو وضع قوالب جاهزة له أو التفكير أو التخطيط نيابة عنه فهو أكثر رشاقة وإبداعا وابتكارا وكفاءة وفعالية من العقلية التي يُدار بها القطاع العام.
يمثل عامل النجاح الأساسي في توفير بيئة ممكنة ملائمة لقطاع الأعمال حتى يعمل بأعلى درجات الكفاءة والفعالية والانتاجية مما يعزز مميزاته التنافسية وتحقيق مراكز ريادية وحصص سوقية كبيرة ونوعية.
النقل أساس التنمية لذا من المهم ربط المملكة بسكة حديدية من شمالها إلى جنوبها “قطار سريع” ذات محطات محددة من شمال إربد إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا إلى المفرق إلى جامعة آل البيت إلى الجامعة الهاشمية إلى شرق الزرقاء إلى شرق عمان إلى جنوبه إلى المطار ومنه مستقبلا إلى مدخل الكرك إلى مدخل الطفيلة إلى مدخل معان إلى العقبة ومنها مستقبلا إلى وادي عربة إلى الأغوار الجنوبية ثم الوسطى ثم الشمالية. لا بأس أن يكون ذلك من خلال استثمار أجنبي لعدة سنوات تعود في النهاية ملكيته للدولة.
هذا ما ينقل العمران تلقائيا إلى تلك المناطق ويجعل التنمية تمتد فعليا إليها وبشكل مستدام يتعزز مع مرور الوقت وبالتالي شمول مختلف أنحاء المملكة بجهود التنمية الشاملة. وهذا يتطلب ربط محطات الوقوف بشبكة مواصلات داخلية متكاملة وفاعلة.
أرى التركيز على أولويات ذات ميزة تنافسية وقيمة مضافة عالية نسبيا وعلى رأسها السياحة والسياحة العلاجية والتعليم والأمن الغذائي والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد.
لابد من متابعة وضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومتابعة وتحسين درجة وترتيب الأردن في المؤشرات الدولية. واصدار تقرير سنوي لدرجة وترتيب الأردن في أبرز المؤشرات الدولية، ونشره والعمل على تحسينها باستمرار.
من الضروري تعزيز ثقة المستثمر بالبيئة الاستثمارية والثبات النسبي في التشريعات والمعطيات، والحرص على الانخفاض النسبي لتكلفة المنتجات مما يزيد من قدرتها التنافسية في مختلف الأسواق وبالتالي يزداد حجم النشاط وتزداد فرص العمل وحصيلة الدولة من الإيرادات. والمستثمر الحالي يواجه عدة تحديات تجعله يتردد في التوسع في استثماره وكذلك المستثمر المحتمل يتردد في اتخاذ قراره بالاستثمار لاعتبارات بعضها انطباعية وبعضها موضوعية محقة:
1. أول الاعتبارات الموضوعية التي يجب معالجتها دون تأخير تغير الأولويات والاهتمامات لدى الحكومات، وهذا ينعكس على مختلف القطاعات مما يرفع منسوب الإحساس بالمخاطرة والتردد لدى من ينوي الاستثمار أو التوسع في الاستثمار.
2. ثاني هذه الاعتبارات الخوف من أن تغير المسؤولين قد يؤدي إلى تغيير في السياسات والإجراءات التحفيزية وبالتالي ما الضمان لهم من عدم تغييرها أو التراجع عنها، فما يهمهم ثباتها واستقرارها حتى لو كان نسيبا وحسب الاتفاق.
3. ثالث هذه الاعتبارات أن التفعيل والتطبيق الفعلي لهذه السياسات والإجراءات التحفيزية يعتمد على قدرة وقوة المسؤولين عنها، وتغيرهم قد يعرضها للمد والجزر خصوصا عندما لا يكونون بنفس السوية من حيث التمكن والتأثير.
4. رابع هذه الاعتبارات قد يكون اهتمام المسؤولين على اشده في البدايات بهدف استقطاب المستثمرين ولكن للأسف في حالات كثيرة ما يلبث أن يتراجع هذا الاهتمام مجرد البدء بتنفيذ الاستثمار، ففي البدايات المسؤولون هم من يبادرون ويتابعون المستثمرين ويحاولون تذليل أي عقبات ولكن للأسف هذا الاهتمام يفتر ويصبح المستثمر هو من يبحث عن المسؤول وكأن الهدف يتحقق مجرد تسجيل الاستثمار غير مدركين اهمية رعاية الاستثمار على المدى الطويل والذي يرتبط بما تجنيه الخزينة العامة من ايرادات سنوية ومستمرة من رسوم وضرائب وغيرها والأهم من ذلك تحريك عجلة الاقتصاد وتشغيل مختلف القطاعات وخلق فرص العمل.
اقترح وضع سقف لأي ضرائب أو رسوم على المنتجات والخدمات بحيث لا تتجاوز بأي حال من الاحوال نسبة معينة من قيمة هذه المنتجات والخدمات وذلك للمحافظة على جاذبيتها وتنافسيتها وعدم قتل الاقتصاد. كما اقترح التحول الرقمي الكامل لخدمات قطاع الاستثمار والأعمال، خصوصا تلك التي تشترك في تقديمها أكثر من جهة حكومية.
من المهم أن تسن الحكومة أفضل التشريعات وتتبنى أنجع السياسات وتتخذ أصوب القرارات وتطبق أسلس الإجراءات، لكن هذا وحده لا يكفي لجذب المستثمر الأردني والأجنبي. السؤال ما هو الأمر المقلق والمثبط الحقيقي لقرار المستثمر بالاستثمار؟ هو ما الذي يضمن للمستثمر عدم تغيير هذه القوانين أو السياسات أو القرارات أو الإجراءات بعد سنة أو سنوات بتغير الأشخاص أو بنفس الأشخاص أو حتى لحظة اتخاذ قراره بالاستثمار. فما أن يقوم مشروعه حتى تتغير المعطيات مما يجعله يجهل مستقبل استثماره ويصبح غير متأكد من بقاء واستمرار ما بنى قراره بالاستثمار عليها من معطيات بمعنى أنه سيعمل في بيئة استثمارية غير مستقرة في أبعادها لدرجة أنه يتوقع صدور أي قرار في أي لحظة دون علمه ومشاركته.
ظروف عدم التأكد هذه تدفعه إلى عدم المغامرة والعزوف عن الاستثمار في الأردن والبحث عن فرص أخرى للاستثمار. لذا، لابد من وجود ضوابط وضمانات تحول دون سريان أي تعديلات أو تغييرات تشريعية أو سياسات أو قرارات تؤثر على الاستثمار القائم قبل إجراء هذه التعديلات أو التغييرات إلا إذا كانت في صالحه وبموافقة أصحابه أو ضوابط للاستقرار في العوامل الأساسية المؤثرة في الإستثمار. خلاف ذلك، يبقى المستثمر الحالي أو المحتمل مترددا ومتحفظا ومتخوفا وغير مرتاح.
ارتفاع الضرائب على اختلاف أنواعها ومسمياتها أنهك الاقتصاد وكذلك الحال بالنسبة لارتفاع الرسوم والبدلات. أما الإعفاءات والاستثناءات فقد احدثت تمايزات وتشوهات مع بعض التحايلات. فليس أشد خطورة على بنية الاقتصاد من التشوهات. لذا لابد من تخفيض وتوحيد الضريبة العامة على المبيعات للسلع الأساسية وأن تكون بنسبة أعلى (تكاد تصل للضعف) على السلع الكمالية. وإلغاء الضريبة الخاصة التي استهدفت القطاعات المنتجة بهدف زيادة الإيرادات الضريبية فلم تعد قادرة على التحمل فتراجع نشاطها بشكل كبير. هذا بالإضافة إلى وقف كامل لجميع الإعفاءات والاستثناءات من مختلف أنواع الضرائب. ولا بد من إلغاء ما يسمى بالضريبة الصفرية (بنسبة صفر)، فهذا اختراع في غير مكانه وعليها ما عليها وضررها أكثر من نفعها كما انها مجالا للتحايل وقد أحدثت تمايزًا غير مبرر في القطاع الواحد وفوق هذا احدثت تشوهات وقادت إلى مخالفات. هذه التخفيضات كفيلة بوقف (أو على الأقل الحد) من الممارسات غير القانونية مثل التهرب والتهريب وغيرها من ممارسات.
اقترح إقرار شرائح ضريبية تصاعدية بنسب مدروسة لفئة الأشخاص الطبيعيين وكذلك لفئة الأشخاص الاعتباريين. وتحديد الشرائح الضريبية للفئتين بمنتهى الموضوعية والدقة وبالتالي يتحقق مبدأ التصاعدية في شرائح الدخل. هذا مع إقرار قيمة تناسب تكاليف المعيشة كإعفاء شخصي من الدخل الخاضع للضريبة سنويا للأعزب وللعائلة.
هذا وحده لا يكفي بل لا بد من تطوير الخدمات وتبسيط إجراءات تقديمها وضمان شفافيتها وعدالتها مع تبني إجراءات واضحة لضبط الإنفاق وتصحيحه ووقف الهدر في مختلف البنود والمجالات.
هذا التحول يقوم على تخفيض تلكفة المنتجات من سلع وخدمات مما يزيد قدرتها التنافسية في الأسواق وبالتالي يزداد حجم النشاط فتزداد حصيلة الضرائب تلقائيًا. اعتقد سيُحدث مثل هذا التحول، الذي يستند على تعزيز تنافسية الاقتصاد وجاذبيته، نقلة نوعية وتحسنا ملموسا في المؤشرات الاقتصادية والمالية خصوصا بعد مرور سنتين على تطبيق.كلما زادت نسبة الضرائب والرسوم من قيمة المنتجات والخدمات، كلما ارتفعت تكاليف وأسعار المنتجات والخدمات. وهذا يؤدي إلى آثار سلبية كبيرة على تنافسية وجاذبية قطاعات الأعمال والاستثمار وبالتالي قتل الاقتصاد وبالنتيجة انخفاض حصيلة الايرادات من الضرائب والرسوم. أي بعكس الأهداف والتوقعات. صحيح أن زيادة الضرائب والرسوم قد توفر للمالية العامة ايرادات لكنها مؤقتة وغير مستدامة. قد تزيد الايرادات المحصلة من بند معين بالموازنة ولكن يرافق ذلك انخفاض في حصيلة الايرادات من البنود الأخرى وخصوصا المتعلقة بالنشاط الاقتصادي. هذا بالإضافة إلى انخفاضها من نفس البند في العام اللاحق أو الذي يليه.
كما أن زيادة الضرائب والرسوم تقضي على امكانية زيادة الايرادات العامة المتأتية من النشاط الاقتصادي على المدى الطويل وذلك، وباختصار، لأن مثل هذا الإجراء يقتل الاقتصاد. وهذا تلقائيا يؤدي إلى انخفاض الايرادات العامة بدلا من زيادتها. وعليه لا تعدو هذه الإجراءات عن كونها محاولة لحل مشاكل اليوم بحلول ترقيعية مشوهة وبثمن باهض على حساب الغد، أي تخلق تشوهات أكبر تحتاج إلى حلول في الأعوام اللاحقة.
لا ينجح أي متخذ قرار ما لم يأخذ الحاضر والمستقبل معا بعين الاعتبار ويوازن بينهما، بل قد يتطلب الأمر أن يُضحي قليلا بالحاضر لأجل المستقبل وليس العكس. لا ينجح أي متخذ قرار إذا كان تفكيره ومسعاه محكوما بالسعي لتوفير أرقام مجردة بمعزل عن السياسات. بمعنى لا تتحقق كنتيجة طبيعية لعملية تبني سياسات اقتصادية. ولا ينجح من يُغلب المحاسبة على الاقتصاد في قرارته. التخطيط يبدأ من رسم المستقبل وتثبيت رؤيته ومن ثم العودة الى اتخاذ معالجات للحاضر ولكن ضمن اطار التوجه المستقبلي وفحواه.
أنا لا ادري كيف يتم تشجيع الاستثمار وفي ذات الوقت فرض الكثير من القيود والالتزامات عليه. كيف يتم اتخاذ إجراءات تسهيلية لجذب الاستثمار والمحافظة عليه وفي ذات الوقت يقدم مشروع قانون للاقرار يتضمن العديد من المواد التي ينبثق عنها لاحقا العديد من الأنظمة والتعليمات. وكل هذا يرتب قيودا وتعقيدات ويقلل هامش المرونة في التعامل مع مختلف الحالات والمعطيات. انا ارى الا يتجاوز مشروع القانون اربع صفحات. وهذه دعوة للاطلاع على تشريعات الدول المتقدمة بهذا الخصوص. الخلل في التحليل يقود إلى فهم خاطىء للواقع وعدم معرفة صحيحة للمطلوب. وهذا يقود إلى اتخاذ إجراءات تتضمن المزيد من المعيقات والتعقيدات وبالتالي الذهاب بعكس الاتجاه أو على الأقل البقاء في نفس المكان.
الحكمة في خلق حالة توازن بين معطيات المالية العامة وبين الاقتصاد وعلى المديين القريب والبعيد. وعندما يستفحل الخلل في مؤشرات المالية العامة والموازنات وتغدو مزمنة، هنا لا بد من رسم، وبعناية، خطة طويلة المدى تتضمن حلول يُلتزم بها تماما ويتم تنفيذها ضمن اطر زمنية محددة لا أن يبقى الأمر قيد الاجتهادات اللحظية التي ينقصها الكثير من العمق في التحليل.
إذا لم تتغير طريقة إدارة السياسات الاقتصادية والمالية، فلن يتعدى العمل عن كونه مجرد سلسلة من المحاولات لمعالجة التشوهات التي للأسف سببتها المعالجات السابقة. بمعنى معالجات تخلق تشوهات يضيع الوقت في محاولة معالجتها دون تحقيق أي تقدم يذكر أو أي نتائج إيجابية في هذا النطاق. وبالتالي الوضع يزداد سوءًا. والسؤال هنا، هل هناك جدوى وضرورة من رصد ما يقارب ثلث مليار دينار اردني لخطتي التحديث الاقتصادي والاداري؟ وهل هذا ينسجم مع الوضع المالي الحالي للدولة؟ وما هي ابرز مجالات انفاق هذه المخصصات تحديدا؟ وما هي نتائجها المتوقعة وهل لها مؤشرات محددة ذات مستويات مستهدفة معلنة مسبقا؟ هل لو تم تخفيض الضرائب والرسوم بربع هذه القيمة هل ستكون النتيجة أفضل؟
وأخيرا، هل القطاع الخاص بحاجة إلى بيئة أعمال محفزة تمكنه من الانجاز في ظل منافسة على اشدها أم يحتاج لقوالب ووصفات جاهزة ليعمل ضمنها؟ ولهذا أقول الحل الأفضل يتمثل في اطلاق العنان لقطاع الأعمال.