الملك الحسين ظاهرة قيادية مدهشة، برهنت مسيرتُه وحكمه طيلة 47 عاماً، على أن المُلْكَ يقوم على الكرامة والعدل والتسامح والصفح والإنصاف والعطاء، لا على الأشلاء والظلم والفساد والدمار والمعتقلات والمقابر الجماعية.
كان متسامياً مترفعاً سريعاً اتصالياً، وتجلى ذلك في ولعه بالطيران. وسباقات السرعة. الدراجات النارية. الراديو. التزلج على الماء. والتنس الأرضي...
عاد الملك الحسين من بريطانيا متخرجاً من كلية ساند هيرست العسكرية، شاباً يحمل آمال تحديث المملكة الثالثة وتطوير الحياة الديمقراطية، فبدأ بعزل قائد الجيش الجنرال الإنكليزي جلوب؛ وتعريب قيادة الجيش في 1 آذار 1956.
ثم كلّف سليمان النابلسي بتشكيل أول حكومة حزبية في الأردن بتاريخ 29 تشرين الأول عام 1956.
كانت لجنة إعمار المسجد الأقصى تعاني من نقص مالي كبير، فأرسل الحسين إلى لجنة الإعمار الهاشمي، رسالة بتاريخ 11 شباط 1992جاء فيها:
«... فإنه ليسعدنا أن ننقل إليكم تبرعنا الشخصي، مقدماً لهذا العمل العظيم باسم أسرتي الهاشمية سليلة آل البيت وحاملة رسالته. وإذ علمنا منكم أنَّ ما هو متوفر لديكم هو مبلغ مليون ومائتي ألف دينار أردني، فإنني أضيف لهذا المبلغ ما مقداره 8.249.000 دولار تبرعاً شخصياً مني ومن أسرتي الهاشمية».
كان هذا المبلغ هو ثمن بيت الملك الحسين في لندن، باعه عندما علم بحاجة المسجد الاقصى إلى المال. فحمل معالي الصديق نبيه شقم رئيس التشريفات الملكية الأسبق «الصك» ثمن البيت وقدمه إلى لجنة إعمار المسجد الأقصى.
وحينذاك كتب الصديق هاشم القضاة: «إنّ من يبيع بيته ليعمّر بيوت الله لن يخذله الله أبدا».
كنت أعد تقريراً صحافياً يومياً للملك، يتضمن أبرز ما كُتب في الصحافة الوطنية والعربية والدولية عن الأردن وعن الملك، فأمر أن أضمن التقرير الإساءات الشخصية قبل الإيجابيات !!
كان الحسين يخاطب كل من يتحدث إليه بكلمة سيدي. ولم يكن الحسين يضع رِجلاً على رِجل في لقاء اي شخص، كبيراً كان او صغيراً.
استوعب المعارضة فلم يوقع على أي حكم بالإعدام.
شجاع، مؤمن، تعرض لأكثر من 20 محاولة انقلاب أبرزها إدخال صاروخي سام لإسقاط طائرته عام 1980 عن طريق حزب الشعب الثوري الأردني.
تم القبض على المتورطين ولم يُعدِم أحداً منهم.
أرسل أبناءه وبناته إلى كلية ساند هيرست ثم إلى الجيش، حيث عمق الشعب الأردني للتعرف على الديموغرافيا والجغرافيا الأردنية.
ربط علاقات عميقة مع كل الأسر المالكة في العالم.
هدد بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل أن لم يُحضر نتنياهو الترياق لإنقاذ خالد مشعل في 25 أيلول 1997. ورضخ نتنياهو.
كانت جنازته من اكبر الجنازات التي شهدها العالم. فاقت جنازة جون كنيدي وونتسون تشرتشل.
كسر شوكة الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة بتاريخ 21 آذار 1968.
لم يؤيد غزو الكويت في 2 آب 1990.
لم يؤيد غزو العراق في 17 كانون الثاني 1991. وأصر على الحل العربي.
من أبرز كتبه: مهنتي كملك. وليس سهلاً أن تكون ملكاً.
عملت وزيراً في حكومة فيصل الفايز في عهد الملك عبد الله، فوجدته كما هو الحسين، ودوداً كريماً متسامحاً شجاعاً، كما يتجلى في قيادته بنفسه حملات المساعدات الإنسانية الإغاثية إلى أهلنا في قطاع غزة.
إنها الجينات التي تطبع الانسان على صورة أبيه. فنِعم الأبُ ونعم الابن.
أدعوكم إلى قراءة الفاتحة على روح الحسين معرّب قيادة الجيش العربي الأردني الجبار، وعلى أرواح شهداء وطننا. وشهداء فلسطين. وشهداء أمتنا العربية الماجدة.