استكمالاً لمقالة أمس/ الأربعاء, التي عرَضنا فيها مقالة الدبلوماسي الأميركي مارتن إنديك, وعنوانها «البعث الغريب لحل الدولتين», التي عكستْ من بين أمور أخرى, ليس فقط غياباً واضحاً للموضوعية, بل إنحيازاً للرواية الصهيونية, خاصة عندما «وزّع» إنديك, مسؤولية فشل/إنهيار ما سُميّ زوراً «عملية السلام», بالتساوي بين الضحية/الفلسطيني والجلاّد الصهيوني, عبر قراءة/ سردِيّة مُفخخة ومقصودة, ناهيك عن تجاهُل إنديك لكل ما له صِلة بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان, وإن كان أشار إلى أن الرئيس بايدن, لم يُؤمن ذات يوم وحتى الآن بـ«حلّ الدولتين».
فإن المقالة «المُشترَكة» التي نشرَها كل من «مارك لينش/ استاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن ومدير معهد دراسات الشرق الأوسط «, و«شبلي تلحمي/ أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماريلاند وزميل معهد بروكينغز لدراسات الشرق الأوسط، تحت عنوان «حل الدولتين.. هل أصبح سراباً؟». في العدد الأخير من مجلة Foreign Affairs الأميركية/ ترجمها د. زياد الزبيدي, تضيء بموضوعية على الدور الذي لعبه نتنياهو ومُعسكر المتطرفين من أنصار «أرض إسرائيل الكاملة», الذي يقوده, في تكريس مسار مُتعثر بل في إيصال «عملية السلام/ حل الدولتين إلى طريق مسدود, عبر الزعم أن عملية «التطبيع» مع الدول العربية, التي دشّنها ترمب في ما أسماه «صفقة القرن», وسارَ بايدن على هديِها وما يزال, كفيلة يزعم نتنياهو, بـ«فتح» الطريق أمام سلام مع الفلسطينيين.
وإذ بدأ البروفيسوران... لينش وتلحمي, مقالتهما بتداعيات عملية «طوفان الأقصى», بالقول: لقد أدّى الرد الإسرائيلي المُدمر على الهجوم الصادم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر, إلى كارثة إنسانية. فخلال الأيام المائة الأولى - أضافَ الكاتبان ـ من الحرب وحدها، ألقت إسرائيل من المتفجرات ما يعادل «ثلاث قنابل نووية» على قطاع غزة، ما أسفرَ عن مقتل نحو 24 ألف فلسطيني (بالطبع حين كتابة المقالة)، من بينهم أكثر من 10 آلاف طفل؛ وجرح عشرات الآلاف الآخرين؛ وتدمير أو إتلاف 70% من منازل غزة؛ وتشريد 1.9 مليون شخص، أي حوالي 85% من سكان المنطقة. وبحلول هذه المرحلة ـ تابعَا ـ كان ما يُقدر بنحو 400 ألف من سكان غزة مُعرضين لخطر المجاعة، وفقاً للأمم المتحدة، وكانت الأمراض المعدية تنتشر بسرعة. وخلال الفترة نفسها في الضفة الغربية، قُتل مئات الفلسطينيين على يد المستوطنين الإسرائيليين أو القوات الإسرائيلية، وتم اعتقال أكثر من 3000 فلسطيني (أصبح عددهم حتى الآن 7300)، العديد منهم دون توجيه تُهم إليهم.
نقول: فإنهما/ لينش وتلحمي بعد إستعراضهما دعوة الرئيس بايدن لإحياء «حل الدولتين», في 29 تشرين الأول 2023 وكرّرها بعد ذلك, فيما كان الغزو البري الصهيوني الذي حظي بدعم من بايدن, متواصلاً, لفتا/ لينش وتلحمي إلى مسالة غاية في الأهمية عندما كتبا «لكن فكرة الدولة الفلسطينية الناشئة من تحت أنقاض غزة,... ليس لها أي أساس في الواقع». قبل وقت طويل من السابع من تشرين الأول ـ أضافا ـ كان من الواضح أن العناصر الأساسية اللازمة لحل الدولتين لم تعد موجودة. لقد انتخبتْ إسرائيل حكومة يمينية ضمّت مسؤولين يُعارضون علناً حل الدولتين. وأصبحت القيادة الفلسطينية ـ واصلا ـ المُعترف بها من قبل الغرب - يقصِدان السلطة الفلسطينية - لا تحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين. كما نمتَ المستوطنات الإسرائيلية إلى الحد الذي أصبح معه إنشاء دولة فلسطينية مُتصلة وقابلة للحياة أمراً شبه مستحيل. ولمدة ربع قرن تقريباً ـ أردفا، لم تكن هناك مفاوضات إسرائيلية فلسطينية جادة، ولم يُؤيد أي جمهور انتخابي كبير في السياسة الإسرائيلية استئنافها. وكان الهجوم الصادم الذي شنّته حماس على إسرائيل، وما تلا ذلك من تدمير إسرائيل لغزة على مدى أشهر، سبباً في تفاقُم هذه الاتجاهات وتسريعها».
أضاء الكاتبان لاحقاً على حقيقة يجري الطمس عليها صهيونياً وغربياً, بقولهما: أحياناً ما يُوصف الهجوم المُروع الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول, بأنه «غزو» اخترقَ فيه المُسلحون «الحدود» بين إسرائيل وغزة. لكن ـ لفتا ـ لا تُوجد حدود بين المنطقة وإسرائيل، مثلما لا تُوجد حدود بين إسرائيل والضفة الغربية. الحدود ـ أكّدا ـ تَرسم خطوط السيادة بين الدول - والفلسطينيون ليس لديهم دولة.
أخيراُ. قال لينش وتلحمي: «من خلال فشلها في الدعوة إلى وقف إطلاق النار طوال خريف عام 2023 وحتى عام 2024، لم تسمح إدارة بايدن للحرب بالانتشار بشكل خطير فحسب، بل شجّعت أيضاً حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل, على زيادة قمعها وتدميرها للمجتمعات الفلسطينية بشكل كبير، بما في ذلك في الضفة الغربية والقدس الشرقية. إذا كان بايدن ـ أضافا ـ غير قادر على المُطالبة بإنهاء الحرب, في وقت يُوجد إجماع شبه عالمي على الحاجة إلى وقف إطلاق النار، وأغلبية واضحة من الأميركيين - حوالي ثلاثة من كل خمسة وفقاً لاستطلاع أجري في أواخر كانون الأول–تدعم مثل هذا القرار. وبخطوة واحدة، فإنه ـ ختما ــ لن يكون قادراً على وضع الولايات المتحدة, في وضع يسمح لها بتوفير قيادة جريئة لما يسمى بـ«اليوم التالي».