لم يسبق منذ عشرات السنين الخوالي أن يخرج ملك أو رئيس دولة ليقتحم منطقة عمليات حربية لإنزال مساعدات إغاثية من أطعمة ومستلزمات طبية وأغطية والعديد مما يحتاجه الشعب الصابر الذي وقع تحت حصار الجوع وخطوط النار تلهبه قنابل محرمة، ولكن الملك عبدالله الثاني فعلها قبل أن يلتفت أحد من قبل ولا بعد، إذ قاد الملك سرب طائرات إغاثية لإيصال ما يحتاجه أهلنا العرب الفلسطينيون من أبناء غزة الذين ذاقوا ويلات القصف العشوائي بغية القضاء على أهل غزة برمتهم، ولتلتهم دولة الاحتلال غزة كالوحش الكاسر.
جلالة الملك؛ جال في دول العالم التي تلعب بهذا الكون حسب نظريات غربية وشرقية، ودول نحسبها منا، حيث لا نسمع فقط سوى تصريحات لا تطعم جائعاً ولا تسقي ضمآناً، ومع كل هذا لا يلتفت الملك للوراء، بل يريد تسريع حركة الكون عل الضمير الإنساني يستيقض ويرفع عن الشعب الفلسطيني ذلك الحصار الممنهج، ووقف قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وإن استمرت دولة الاحتلال بذلك النهج ستبيد ذلك الشعب عن بكرة أبيه.
الملك بعث رسالةً واضحةً للجميع في عالمنا، مفادها أننا الأقرب والأصدق لإخوتنا في فلسطين الشمالية والجنوبية، دون أن نزاود على أحد، فالشعب الأردني هو أول من هب لنصرة فلسطين وشعبها، ليس اليوم فحسب، بل منذ أكثر من ثمانين عاماً، حيث جاء المجاهدون نصرة لأشقائنا، والتحموا مع بقية من المناضلين من الدول العربية التي بدأت تتشكل، ومنذ ذلك التاريخ والأردن يئوي المهجرين والهاربين من لظى نيران الخيبة والفشل حتى رأينا كيف تفككت قواعد دول لم نكن نحسبها يوماً أن تسقط.
ليس اليوم فقط، إذ يقوم الملك بنشر رسالة البطولة من تحت سحاب غزة، بل هي امتداد لما فعله جده الأول الأمير طلال بن عبدالله، حين عاد من ساندهيرست ليتلحق فوراً على رأس كوكبة من الفرسان الشجعان من الجيش الأردني بلغ تعداده ألفاً وثلاثمئة جندي وضابط في العام 1931 من القرن الماضي، وهو على طريق والده الحسين الذي بنى وطناً اجمعت عليه كافة القبائل والعشائر والعائلات، ورفع فيها أعمدة النهضة مستعينا بالله كي يتقدم الأردن ليبني صروحاً لا تزال شامخةً بأقل الإمكانيات المادية، ومع ذلك انبثق نور التعليم والصحة و الخدمات العامة والعديد من المآثر الوطنية.
عندما يشارك الملك مرة أخرى بثلاث طائرات يقود إحداها ويدفع بيده مظلات تحمل كافة ما يلزم لإخوتنا في غزة، فهي ليست منة عليهم بل فخر لنا، و من هنا علينا أن نستدعي تاريخ هذا البلد الأمين وكيف وقف على قدميه محارباً كي لا تدخل فئران السد لزلزلة أركان هذا الوطن والتشكيك والتأليب والتحريض على القيادة و منظومة الدولة، وكأن تلك الفئة القليلة ملائكةً، لا سمح الله، يفتون بما لا يفقهون، ويحاولون تظبيط المنجزات ويريدون أن يفتون من عضد الدولة الأردنية بأجهزتها العسكرية والأمنية، ولا أزكي على الله أحداً، ولكن عليهم الرجوع لإحياء ضمائرهم، كيف لا، وهم رأوا ما رأوا من سقوط دول حولنا و هي لا تزال تلعق جراحها.
وليقل لنا أحد إن كان عندهم نموذجاً للقيادة في كافة دول العالم يهب مليكها لنجدة أشقاء لنا عضهم الجوع والمرض والتشريد والبؤس وزمهرير الريح، فليأتوا بذلك إن استطاعوا، ليس هم فقط، بل أن هناك شخصيات أتخمت من مال ووظائف واستثمارات، ثم يضعون أرجلهم على الطاولة، ليس هذا وحسب، بل هناك ممن يخجلون أن يجاهروا بكلمة طيبة، وهذا ليس تزلفاً، بل هي رؤية واضحة لإفشال مشروع الدولة والإنتقاص من جهود الملك، ولذلك جاءت الرسالة لأبعد مما يتخيله البعض، فهي رسالة ملك، لمن يلتحفون بصمتهم، وقد آن الأوان لأن يلزم كل حده ويعرف قدره مهما صغر.