هل الأردن بخير؟
نعم، بلدنا بخير، ليس على سبيل المجاز، وإنما الحقيقة والواقع، نظرة واحدة للمحيط من حولنا الذي غرق بالفشل والفوضى والدم، تكفي لاكتشاف ذلك، نظرة أخرى لما أنجزنا على تواضعه – تكفي للاحساس بالأمل والاستبشار بغد أفضل، جردة حسابات بسيطة لما يمكن أن نفعله ونحن غارقون بالسواد، ومشغولون بتوزيع الاتهامات على بعضنا، تكفي لمعرفة المصير السيئ الذي ينتظرنا، إذاً، نحن محكومون برؤية الخير في بلدنا، واستعادة الأمل بغدنا، والخروج من حالة التمنع عن الحركة والإنجاز، والاستغراق في جلد الذات، وتداول صرخات التشكيك والتيئيس، لأن عكس ذلك يعني أننا نحكم على بلدنا بالسوء، ونحفر قبورنا بأيدينا لا سمح الله.
صحيح، يمكن أن أسجل - هنا - عشرات الأمثلة على أخطاء وقعنا فيها، الدولة والمجتمع معا، وأن أشير إلى «خزانات « من المظلومية، وافتقاد العدالة، وغياب الحس العام بالناس لدى بعض المسؤولين، يمكن -أيضا – أن استغرق، وغيري كثيرون، في حالة الإحباط الشخصي، وأتساءل عن الاسباب التي دفعت ابنائي للهجرة إلى الخارج بحثا عن عمل، او عن عدم قدرتي على توفير فرصة عمل لأبنائي الآخرين الذين تخرجوا من الجامعات منذ سنوات، فيما غيرهم من أبناء الذوات « يتبرطعون» في مواقع برواتب عالية، يمكن -ثالثا – أن أُوسع فتحة الفرجار لوصف حالة مجتمعنا تبعا لمؤشرات الحريات العامة، أو الفساد والشفافية، أو الاقتصاد.. الخ، أكيد سنجد عشرات السلبيات والأخطاء، والعقبات والانسدادات، والخيبات أيضا.
هذا، بالتأكيد، جزء من الصورة العامة، وهي لا تقتصر على بلدنا فقط، ففي معظم دول العالم، وفي محيطنا تحديدا، يوجد مثلها، وربما أكثر، عواصم سقطت، أخرى تترنح سياسيا واقتصاديا، لكن ثمة أجزاء أخرى نتواطأ على إخفائها، او التغطية عليها، أو عدم الاعتراف بها، وهي تمثل مقولة كان آباؤنا يرددونها دائما عندما يُطلب منهم أي شيء، «عيّن خير «، يعني أن محطات من الخير أمام عيوننا، وإن كان بعضنا لا يراها، أو لا يريد أن يراها، وهي مقولة تعكس حقيقة الأردني الذي ينظر لبلده نظرة الخير دائما، حتى لو كان يمر بأصعب الظروف.
أدرك، تماما، أن وراء عملية التحطيم النفسي والمعنوي التي يتعرض لها مجتمعنا فاعلون، من أبناء جلدتنا ومن خارجها، وأنها ليست صدفة أبدا، وأدرك، ثانيا، أن ما جرى تمّ بالتوازي مع إرباك مؤسساتنا العامة، و تجريدها من دورها، وافقاد ثقة الأردنيين بها، وأدرك، ثالثا، أن النخب الوطنية انشغلت بصراعاتها على « الكعكة «، او تقمصها لحالة الحرب، ولم تنتبه او تخصص جزءا من جهدها لكسر حالة العجز والخوف التي يعاني منها مجتمعنا، وبالتالي امتدّ العجز والتمنع عن المشاركة والعمل والإنتاج، من إدارات الدولة إلى عموم الناس، ثم ولّد ما نعانيه من إحساس بانعدام الأمل بالمستقبل.
مع ذلك، لابد أن نستدير للداخل، ونحرك عجلة الحياة والعمل والإنتاج، ونصرّ على أن بلدنا بخير، و أنه يمتلك كل مقومات النهوض والتعافي، ما نحتاجه هو إحياء الهمة الوطنية، وإشاعة روح التفاؤل والاعتزاز بالذات الوطنية الأردنية، وهذا لن يتم إلا إذا تحررنا من عقدة العجز والتمنع عن العمل، ومن التشكيك وتبادل الاتهامات، واللطم بالايدي والأقلام، ومن الكراهية التي ازدحمت أسواقها بأعداء النجاح والإنجاز.
هذا بلدنا، ويجب أن نزرع فيه طاقات الخير، لكي يحصد أبناؤنا ثمراتها، وإلا فنحن الأردنيين، ادارات عامة ومواطنين، بلا استثناء، نتحمل مسؤولية أي فشل، أو خيبة، قد تصيبه لا قدر الله.