انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

العملية التعليمية


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

العملية التعليمية

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2024/02/26 الساعة 01:16
منذ أكثر من (140) يوما والدراسة معلقة في غزة, لايوجد مدارس.. ولا عملية تعليمية, المباني كلها دمرت أو أصبحت ملاجئ للنازحين من هول ما يحدث.
اجزم أن الحرب حين تنتهي سيجد الطلبة أن الصفوف قد تغيرت... لأن الكثير منهم استشهدوا, والكثير من الأساتذة ما زالوا تحت الردم وقد تحللت جثثهم, والمطابع التي تطبع الكتب دمرت... والأقلام ضاعت في التراب تحت تأثير القذائف.. حتى الدفاتر (والمحايات) هي الأخرى اختفت.
سيكون الصف مليئا باليتامى, لن يقول مدير المدرسة لطالب تخلف عن الحضور عدة أيام: أحضر ولي أمرك.. لأنه يدرك أن الكثير من أولياء الأمور للان لا يعرف أين تم دفنهم... المدرسة هي الأخرى لن تعلن عن رحلة لطلبة الصف السادس... وماذا ستنفع الرحلات فكل غزة قد دمرت لا يوجد سوى البحر, والبحر لم يكن حنونا عليها فقد حمل سفن الإحتلال وحمل لهم البرد...
هل سيكون هنالك حصة للرياضة؟ هم لا يحتاجونها ففي زمن الحرب نزحوا مشيا على الأقدام, وأمضوا أيامهم في (الخيم) يحتطبون.. لقد أكسبهم الأمر لياقة عالية.. هم أيضا لن يحتاجوا لحصة جغرافيا.. لأن فلسطين لديهم تختصر العالم فهي الجبل والوادي وهي القارة الأكبر... وحدودها من الشمال الحب ومن الجنوب الصبر ومن كل الجهات محاطة بالشهداء أيضا...
ربما سيحتاجون إلى حصة التاريخ, وسيدركون أن وقتها أن من يدفع الدم هو من يدخل التاريخ, وأن من يسدد القذيفة هو من يكتب التاريخ... وربما سيتذكرون ما قاله مظفر النواب: (وطني علمني أن حروف التاريخ مزورة حين تكون بدون دماء)... ربما سيحتاجون إلى التاريخ, حتى يتعلموا أيضا... أن النخل في غزة كان أعلى من أبراج (مانهاتن).. وأن الطرق بالرغم من الدمار والتجريف... كان توصلهم إلى بوابات الحلم, وأن المقابر لم تكن مستقرا أخيرا للشهداء.. بقدر ما كانت مخازنا للمسك والعنبر.. تعطر المدى العربي, وبقدر ما كانت شهادة للأمم الحية ع?ى الصمود والبسالة والصبر والإقتدار.
لا توجد عملية تعليمية في غزة.. لا مدارس ولا أساتذة ولا كتب, حتى الطلبة نقص عددهم والأساتذة استشهدوا والمباني دمرت.. وسؤالي بعد انتهاء الحرب, هل سيعود التعليم إلى غزة...؟ في ظني أنه سيعود.. لن يكون هنالك أساتذة وطلبة بل سيكون الكل أساتذة.. حتى طلبة الصف الأول الإبتدائي سيكونون أساتذة..
الأطفال الذين تحملوا هذا الدمار كله لايستحقون لقب طلبة.. بل هم أساتذة في العروبة والدين والصبر, هم أعلى شوامخ الأمة... وربما في هذا العمر.. ربما في كهولتي المتعبة وقلبي الحزين.. ربما سأذهب هنالك بعد الحرب كي ألتحق بالصف الثاني الإبتدائي في مدرسة حي الشجاعية, علني أحصل على تقدير ولو مقبول... وليعيد الأطفال هنالك تعليمي الأبجدية من جديد والتاريخ من جديد والجغرافيا من جديد...
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2024/02/26 الساعة 01:16