هذه «الواقعة» تدفعنا لاستدعاء وزيرة أميركية أخرى, من «قماشة» هيلاري كلينتون, بل ليس ثمّة مُبالغة في القول إن هيلاري كلينتون «تلميذة», لأول إمرأة شغلت منصب وزيرة خارجية في الولايات المتحدة, وهي «الديمقراطية» (بمعنى عضويتها في الحزب الديمقراطي الأميركي) مادلين أولبرايت, في عهد زوج هيلاري (بيل كلينتون) في الفترة من 1997-2001, وسبق لأولبرايت أن كانت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة.
مادلين أولبريت التي رحلت عن دنيانا قبل عامين تقريبا (28/ 3/ 2022), قالت أثناء خدمتها سفيرة لبلادها لدى الأمم المتحدة, ردّاً على سؤال في مقابلة تلفزيونية للبرنامج الشهير «ستون دقيقة» على قناة CBS الأميركية, في 16 ايّار 1996، عندما سألتها مُقدمة البرنامج: سَمِعنا - قالت المذيعة - ان «نصف مليون» طفل عراقي ماتوا، وهذا عدد أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما.. هل الثمن يستحق؟, أجابت أولبرايت باستعلاء وغطرسة وانعدام ضمير أو تعاطف: اعتقد أن هذا خيار صعب جدّاً، ولكن - أضافتْ - نعتقد ان الثمن يستحق «الدفع». (!!)
أحد في بلاد الحلم الأميركي والفُرص والديمقراطية وحرية التعبير, والدفاع عن حقوق الإنسان وحريّة الأديان وغيرها مما تضخّه وسائل البروباغندا الأميركية، لم يعترِض على ما قالته أولبرايت, لا في البيت الأبيض ولا في الكونغرس ولا حتى في معظم وسائل الإعلام الأميركي، بل هناك من أقام لها نُصباً تذكاريّاً في «كوسوفو» وما أدراك ما كوسوفو, عندما تدخل فيها حلف شمال الأطلسي بقيادة أميركية, لتدمير «يوغوسلافيا» وتفكيكها, بما هي إحدى «نتائج» الحرب العالمية الثانية, التي أراد بيل كلينتون إزالتها، بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكّك?الاتحاد السوفياتي, وبروز الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة لقيادة العالم, ومسارعتها للترويج بأن القرن الجديد (21) سيكون قرناً «أميركياً» بامتياز.
«نصف مليون» طفل عراقي, مُجرد «ثمن» يستحق الدفع, في رأي السيدة الوزيرة التي ساهمت هي حماسة من بين رهط مُتصهيّن كبير, في التحريض على فرض عقوبات قاسية على العراق (بعد غزوِه الكويت في 2 آب 1990), وقد شبّه بعض المُعلقين دورها, بالدور الذي لعِبته مَن كانت تُوصَف بالسيدة الحديدية, رئيسة وزراء بريطانيا في ثمانينيات القرن الماضي/ مارغريت ثاتشر.
كان أطفال العراق أبرز ضحايا تلك العقوبات القاسية, وها هي «تلميذتها النجيبة»/هيلاري, تسير على خطاها, حيث «لا» ترى في سقوط «100» ألف ضحية فلسطينية, معظمهم من الأطفال والنساء بين شهيد ومصاب، ما يبعث على الصدمة. لأن هذا ما «يَحدث في الحروب». كما أن لـ«إسرائيل حق في الدفاع عن نفسها ضد المُتوحشين», على ما برّرت هيلاري فظائع الصهاينة وجرائمهم الموصوفة.