مدار الساعة - في مدرسة بمنطقة حفوز التونسية (وسط)، ترتفع أصوات طلاب نادي الموسيقى "تونس 88" الذي يشكّل مركز ترفيه لطلاب المدارس الثانوية في المدينة التي يواجه فيها الشباب آفات متعددة منها ترك المدرسة والبطالة والانتحار.
وفئة الشباب هي الأكثر تأثرا بالأزمة المتعددة الأوجه التي تمرّ بها تونس حيث يعاني أكثر من 40% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عاما من البطالة ويترك فيها 100 ألف طالب مقاعد الدراسة سنويا، في بلد كان يتصدر منذ زمن قريب قائمة دول شمال إفريقيا في محو الأمية.
وتقع منطقة حفوز الزراعية التي يبلغ عدد سكانها 8 آلاف نسمة، في محافظة القيروان (وسط)، وتتصدّر التصنيف الوطني للفقر وارتفاع الأمية وحتى الانتحار مع تسجيل 26 حادثة انتحار او محاولة انتحار من أصل 147 حالة في البلاد خلال العام 2023، في "ظاهرة مثيرة للقلق وتؤثر بشدة على الشباب"، بحسب المسؤولة في منظمة "المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية" غير الحكومية رحاب المبروكي.
وتشير الخبيرة إلى عوامل مفسّرة لهذه الآفات منها غياب "المرافق الأساسية (50 ألف شخص من دون مياه صالحة للشرب)، ومشاكل في النقل المدرسي ونقص في الفضاءات الثقافية وهو ما يعزز الشعور بالغبن لدى الشباب".
في نادي "تونس 88"، يلتقي نحو خمسة عشر طالباً من المدارس الثانوية في حفوز كل يوم جمعة بعد أوقات الدراسة في محاولة لتمضية وقت يساعدهم على عدم الغرق في الإحباط.
وتقول "قائدة" النادي آية المخلوفي (16 سنة) لوكالة فرانس برس "إنه المكان المناسب للهروب، والتحرّر من ضغوط الدراسة واكتساب المهارات، وفضّ الخلافات بين الأعضاء".
تتحدث آية وهي تردّد إيقاع أغنية ألّفها الطلاب وصوروا لها فيديو كليب، بينما يشاركها والداها التدريبات.
ويقول والد آية، محرز (52 عاماً)، وهو مدرّس في مدرسة ثانوية، إن النادي ساعد أولاده الثلاثة في أن يتغيروا، ولكن الأهم من ذلك أن "عددا كبيرا من التلاميذ خرجوا من عزلتهم وبدأوا يؤمنون بقدراتهم، من خلال الاندماج بشكل أفضل في المجموعة".
ومن أجل إحداث مثل هذا "التأثير الاجتماعي" في المناطق المحرومة حيث غالبا ما يكون النادي "النشاط الوحيد المتوافر للشباب"، أقدم الموسيقي الأميركي كمبال غالاغر في العام 2017 على إنشاء جمعية "تونس 88" (بعدد مفاتيح البيانو الـ 88) بالشراكة مع رجل الأعمال التونسي راضي المؤدب، وبتمويل من مساهمين.
ويقول غالاغر خلال ورشة تدريب "للقادة" بالنادي في تونس "يخبرنا عدد كبير من الأهالي بأنّ أولادهم كانوا مكتئبين ويقضون حياتهم في الشوارع، لكنّهم باتوا بفضل النادي، متحمسين، وشهدت نتائجهم الدراسية تحسّناً، وأصبح لديهم أصدقاء وباتوا يتحمّلون المسؤولية بشكل أكبر".
"كوب فارغ... بذرة نزرعها"
وتمكّنت "تونس 88" من إنشاء فروع لها في كل معهد وثانوية في تونس ليصل مجموعها إلى 593 ناديا.
ويعبّر غالاغر عن فخره بمنح "مكان للاستمتاع وللحرية" لما يراوح بين 5 و10 آلاف طالب سنوياً.
ويشير إلى أنّ كلّ نادٍ يعتبر "مساحة محمية يمكن للشباب من خلالها التعبير عن أنفسهم والتعامل مع مسائل عدة على غرار (قضايا) المرأة، والوضع البلاد، وأحلامهم، والبيئة".
كما يحاول النادي تنمية قدرات أخرى كـ"أن يتوقف الطلاب عن لعب دور المتفرجين ويصبحوا ممثلين"، وأن "يتولوا مسؤولية مصيرهم"، بحسب غالاغر.
ويتولى الطلاب رئاسة النادي وإدارته.
ويؤكد غالاغر "بالنسبة إلينا، لا يمثل الطالب كوباً فارغاً يجب ملؤه، بل هو بذرة نزرعها لتنمو إن منحناه الظروف المناسبة".
ويوفّر نادي "تونس 88" الآلات الموسيقية ومدرسي الموسيقى والتدريب المستمر على "الإبداع الموسيقي".
ولتحفيز الطلاب، تُنظَّم مسابقتان سنويتان: "مسابقة الأغنية" لأفضل أغنية وأخرى لأجمل "حدث له تأثير مجتمعي" (حفلة موسيقية أو غيرها).
وتقول منسقة أندية "تونس 88" رابعة المويلهي (39 عاما) إن على الشباب "إنجاز كلّ شيء بأنفسهم"، بما في ذلك البحث عن مساهمين وداعمين ماليين، لأن الهدف "ليس الأغنية في حدّ ذاتها، بل العمل كفريق ضمن مهل زمنية محدودة وتعلّم إدارة الضغوط اليومية".
وتوضح أنّ النشاط ضمن الأندية يهدف إلى أن تكون مفتوحة للجميع، حتى "طلاب المدارس المتوسطة أو طلاب المدارس الثانوية السابقين الذين تركوا دراستهم".
ويعتبر غالاغر أن لا حاجة للعزف على آلة موسيقية بقدر "حاجتنا إلى الكثير من المهارات لتأليف الأغاني، وتنظيم مناسبات، وضمان تماسك المجموعة، والتواصل مع الآخرين، وتصميم ملصقات، وتأليف مقاطع فيديو تترافق مع الأغاني".