في طفولتي, ثقب مسمار قدمي, كنت ألهو مع رفاق الحي عند ورشة بناء ولم أنتبه.. فكان منه أن ثقب قدمي من أسفلها..
حين عدت للمنزل, اجتمعوا كلهم حولي... البعض اقترح أن يتم تعقيم الجرح (بالكالونيا)... وفعلا قامت أمي بتعقيمه وهذا الأمر تسبب لي بحرقة شديدة لدرجة أن (جعيري) وصل الشارع الرئيسي, البعض الاخر قال لابد من (الكي).. فهو وحده الكفيل بدمل الجرح, وقد جرب مع مجموعة من الصبية وأعطى نتائج مهمة.
جدتي كانت هي أخصائية (الكي).. كل ما فعلته, أنها أشعلت سيجارة ثم أطفأتها في مكان الجرح, هذه المرة وصل بكائي لما بعد الشارع الرئيسي... لكنها أكدت أن البكاء والإنتفاخ هو علامة الشفاء..
عجوز أخرى كانت حاضرة المشهد بمعية جدتي, قررت أن تقرأ علي القليل من السور.. وأن تعالجني بفرك مكان الجرح (بالشبة).. وحين فركتها في قدمي, أغمي علي.. هذه المرة لم أستطع لشدة الألم أن اصرخ... فسقطت دون حراك.
بعد أن صحوت, جاء أحد أفراد العائلة وشرح للمشرفين على العلاج أهمية إرسالي للطبيب, لأن المسمار إذا كان به بعض الصدأ فهذا يعني أني بحاجة لإبرة (كزاز) وإذا لم يكن به صدأ.. فهذا يعني أن الجرح سيشفى من تلقاء نفسه وأسهب هذا الفرد الذي امتلك خبرات سابقة في هذا المجال كونه كان متقاعدا بمهنة (سائق بلنص)... المهم أن العائلة اعتبرت رأيه علميا وسليما ويجب اصطحابي للمركز الصحي, إلا العجوز المرافقة لجدتي.. رفضت الرأي وقالت: (شو ايعرفو هاظ.. مرة قلب بالبلنص)... فعلا صاحب هذا الرأي ذات مرة تسبب بحادث في (البلنص) أثناء نقله?أحد المصابين في حادث على الطريق الصحراوي.
في هذه اللحظة خضعت لتحقيق صارم, حول المسمار وهل كان يوجد به صدأ أم لا.. وأنا حقيقة لا أعرف لم انتبه للأمر.. فاستقر الرأي على إرسالي للمركز.. حين وصلنا المركز زاد خوفي وبدأت بالبكاء, كان الطبيب المناوب نائما.. لكنه أفاق على صراخي, وحين تم عرضي عليه شاهد الجرح.. وقال: بسيطة.. وعلى الفور طلب من الممرض إبرة (كزاز)... وتلقيت الإبرة, لكن حدث بعض الهرج والمرج في المركز الصحي فقد تبين أن مضادات الكزاز غير موجودة وما حقنت به هو (إبرة) مضادة للدغات النحل والحشرات... الغريب أن الممرض حين اعترف أمام أبي بالقصة العجوز ?لمرافقة لجدتي علقت بالقول: (كلو واحد)..
عدنا للمنزل... الألم ظل مستمرا, وبكائي لم يتوقف, وأظن أن الحوارات التي جرت حول تقييم الحالة هي التي زادت المأساة فلو تركوني وحدي ربما سأتقبل المشهد وأخلد للنوم..
في النهاية سائق (البلنص) وباقي أفراد العائلة, وجدتي والعجوز المصاحبة لها شعروا بالملل والكل أراد أن يغادر.. بالرغم من أن بكائي لم يتوقف.. ولكن صدرت جملة من العجوز المرافقة لجدتي حسمت الموقف في النهاية, قالت لهم حين صمت الجميع: (كلهامسمار.. هاظ كيف لو طاخو واحد طلق)... لم يعلق أحد على جملتها ثم استدركت قائلة: (اعطوه نص ليرة وبطيب لحالو).. على الفور أخرج أبي نصف دينار وأعطاني اياها, فرحت بها شعرت أنها كانت أهم من كل الوصفات التي قدمت.. ونمت.
أحيانا أشعر أن آلام الأطفال قد تداوى بالمال... لكن آلام الأوطان كيف تداوى يا ترى؟.