لم يكن خبر عقد لقاء أمني في عمّان لبحث ملف "المخدرات" خبراً عابراً وإن لم يحظى بالإضاءة الكافية.
فاللقاء الذي جمع وزراء داخلية كل من الأردن وسورية ولبنان والعراق لم يكن وليد لحظته وجاء في توقيت دقيق وحساس، ولاشك انه لم يقتصر على بحث ملف تهريب المخدرات الذي بات يقلق دول المنطقة برمتها.
في التفاصيل أن اللقاء جاء نتيجة جهد مشترك ممتد لفترة ، كان للأردن ممثلاً بوزير الداخلية (مازن الفراية) جهد هائل في عقده وفي تهيئة الظروف المناسبة لإنجاحه وفي خلق فضاءات وازنة للخروج بنتائج أكثر جدوى يمكن ترجمتها إلى فعل على الأرض رغم الكثير من العقبات وتداخل الملفات وتعدّد الأطراف المؤثرة.
الجهد الكبير جاء بعد فترة من التصعيد نتج عن تعاظم محاولات التهريب التي تقودها عصابات منظمة تمتلك السلاح والخبرة والامتدادات، وتستغل حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها مناطق واسعة في الجنوب السوري المتداخل في ملفات متعددة حساسة لاتقف عن حدود تهريب المخدرات ، سيما والمنطقة برمّتها تعيش مخاضاً خطيراً على مستوى القضية الفلسطينية والعدوان الصهيوني الدموي الهائل على قطاع غزة ومخططات حكومة العدو لاستغلال المشهد الحالي لفرض وقائع جديدة في جغرافيا المنطقة وأوزان الأطراف الفاعلة فيها.
وفق هذه الرؤية يصح القول أن ملف تهريب المخدرات ليس إلا رأس جبل الجليد في ملفات أخرى لاتقل أهميةً، ما استدعى خلق إزاحات وازنة في الواقع عبر جعله مدخلاً لترتيب الكثير من الملفات الأمنية وربما السياسية المهمة التي تجتمع في الحدود الشمالية مع الشقيقة سورية، فحجم التهديدات والمخاطر تتطلب مقاربةً من هذا النوع لخلق قدرة على مواجهتها بتعاون الأطراف المعنية بدلاً عن الاصطفاف والتراشق التي حاولت أطراف خارجية أن تأخذ الأمور نحوه لتمرير مخططاتها ولخلق شقاق بين الأشقاء في ظرفٍ هم جميعاً في أمس الحاجة فيه الى الاتفاق والتفاهم وتوحيد الجهود.
حسناً فعلت الدولة الأردنية بتغليب مقاربة مشتركة بين الملفين السياسي والأمني، و وفق منطق الشراكة في المهام والمسؤوليات مع الأشقاء ، والتي عبّر عنها وقادها باقتدار معالي "مازن الفراية"، رجل الدولة العميق المشهود له ببعد النظر والإلمام والقدرة على ضبط الأمور بعينٍ أمنية ثاقبة تأخذ في الاعتبار مجمل محدّدات الموقف الوطني المتقدم والضرورات السياسية الملحّة، ما ساهم بشكل واضح في تنفيس الأجواء ورسم خارطة طريق واضحة لعلاقات تعاون متميزة مع الأشقاء ، تقطع الطريق على محاولات استغلال الملف الحساس، وتحد من محاولات خلق الشقاق وتشتيت الانتباه عن الملفات الأهم والأخطر التي تتعلق بمستقبل المنطقة وتتهدد الجميع.
أجواء الارتياح التي تعيشها عواصم الدول المشاركة في الاجتماع ، والتي رصدتها (بلكي نيوز) ، نقلتها بوضوح وسائل الإعلام وتردد صداها في الأروقة الرسمية، لاسيما معالم الدفء في العلاقة والذي عبّرت عنه أوساط الأردن وسورية بالذات، مايفاقم من حالة التفاؤل بتزايد القدرة على تفكيك كل الملفات وخلق مسار جديد يحقق مصلحة الجميع ويخلص المنطقة من أعباء امنية مقلقة لها مابعدها.
يقال أن الاقتصاد هو السكة التي يسير عليها قطار السياسة ، وكذلك فإن الأمن هو الذي يضمن أن يشق القطار طريقه بأمان وسط هذه الأنفاق والمخاطر ، فلعلها فرصةٌ عظيمة لواقع جديد عماده المصالح المشتركة والنوايا الطيبة وبراعة القائمين على الملف ووطنيتهم المشهودة.