لم يكن الأردن يوماً إلا صامداً قوياً في قلب منطقة لم تعرف الهدوء والسكينة والطمأنينة على مر الزمان والتاريخ، بلد جغرافيته السياسية فرضت عليه أن يكون في عين عاصفة الحروب والفوضى والصراعات، ولطالما حملت هذه الفوضى المحيطة ارتدادات على الأردن لعل أبرزها حملات مشبوهة تستهدف إثارة الفتن وتشكيك بعض الأردنيين بمواقف دولتهم المشرفة عبر محاولة أضعاف الشعور الوطني واللعب على وتر الشعور والعاطفة ضمن مخططات باتت واضحة للعيان لإحداث ثغرة في جدار هذا الوطن الصامد أهله والقابضين على جمر مواقفهم.
غربان ناعقة على شكل حسابات الكترونية لا همّ لها إلا بتنفيذ حملات تخوين وروايات مضللة، وإشاعات لا تكفّ عن نسج خيالها ضد الأردن، فما الذي نقوم به نحن من أجل التصدي لكل هذا؟
كثيرة هي الأسباب التي تدفع إلى النتيجة التالية: هناك من لا يريد لبلدنا خيرا. وبالحديث عن هذه الأسباب فإن العدو نفسه، العدو الظاهر الذي يسعى بكل جهده لأن يعيش فساداً وإفسادا، وهناك أيضاً أعداء مخفيون يرتدون لك ثياب الصداقة والتحالف، وهناك المرجفون، وهناك من يسمعون لكل من سبق، وهناك أيضاً آليات رسمية تقليدية ترفض أن تخرج من الصندوق وتفكر خارجه، وتتعامل مع ما يجري بنهجٍ مُعاصر يرتقي لأدوات العصر وذكائه غير الاصطناعي.
هذا الكلام لا يندرج في سياق حديث عابر، بل يأتي بعد تزايد نشاط الذباب الإلكتروني مجهول النسب الذي يغزو "التايم لاين" الأردني حاملاً منشورات وتغريدات لا أساس لها، تعمل جميعها أيضاً على نشر الأكاذيب والإشاعات زوراً وبهتاناً لتحقيق أهداف خفيّة وتنفيذ مشاريع تسعى لرؤية دماء الأردنيين في الشوارع، بعد صمود وثبات للدولة الأردنية من القيادة إلى المؤسسات حتى تصل إلى شعب يدرك خطورة ما يُحاك في جنح الظلام، ولكن هذا الوعي يحتاج إلى التعزيز بين الفينة والأُخرى والتذكير بأن هذا البلد كل يوم تزداد خطورة الأجندة التي تريد الشر لأهله، لذا؛ علينا الالتفاف خلف دولتنا والاصطفاف كتفاً بكتف لإحباط كل ما يحاك ويخطط له.
ومن هُنا يتحتم علينا التصدّي للغربان الناعقة لحملات التخوين والروايات المضللة التي تخدم هدفاً واحداً لإضعاف الأردن ومساعدة الكيان الإسرائيلي الغاصب على تصدير أزمته الداخلية إلى دول الجوار للتخفيف عنه عبء الخسائر الفادحة التي تكبَّدها على يد المقاومة الفلسطينية الباسلة في قطاع غزة.
اليوم، أعمى من لا يرى تحالف الشر ضد الأردن بمحاور عديدة وتفاصيل مختلفة، فالأردن وموقفها المشرف الذي لا يوجد عاقل يشكك فيه هو الأردن الذي لم ولن يساوم على أرضه وعلى ضياع هويته والهوية الفلسطينية، ويبقى الأردن والأردنيون والفلسطينيون هم من يدافعون بشرف عن القضية.
يعلم الجميع بأن الأردن كقيادة وحكومة وشعب أكثر من قدَّم للقضية الفلسطينية، والأردن ذو عقيدة واضحة تجاه القضية الأولى وهذا واجب علينا كالفريضة، وعُرف هاشمي يعتزّ به كل أردني مُحِب لوطنه، والأردن عبر تاريخه الناصع البياض المشرف؛ قدَّم الغالي والنفيس في سبيل أمته وقضاياها العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فدماء الشهداء الأردنيين على ثرى فلسطين الطهور كتبت تاريخا عنوانه: "الأردن وفلسطين مصير واحد وتاريخ مشترك"، لذا؛ نقف اليوم مع بلدنا تكريماً لدماء الشهداء وحفاظاً على تاريخنا حتى نكتب حاضراً لا يقلّ أهمية عما كتب.
ختاماً، فإن رسالتي للبعض: اصفحوا ولو القليل، فهذا وطن أعطى أكثر مما أخذ، وجمّع العرب في زمن الدم والشتات، ولكننا بتنا نشكّ في أردنية البعض من قهر وبغضاء يرونه حرية تعبير، وجميعنا مع النقد ولكن بإنصاف، وأن يكون نقداً بنّاء لا هدّاما، ونقول للبعض: لا تختبروا الأُردنيين، فهذا الوطن قيادة وأرضاً هو الأحب إلى قلوبهم ويفدونه بالمُهج والأرواح، فلا تختبرونهم، ولا نقول هُنا إلّا: حَمَاك الله يا أردن.