مدار الساعة - إن الناس في حاجةٍ ماسةٍ إلى من يعطف عليهم ويرحمهم, وليس هناك من هو أرحم بهم من خالقهم -سبحانه-, فهو منزل رحماته على عباده, ويكفي الرحمة شرفا وقدرا أنها صفة من صفات الله -عز وجل-، تضمنها اسمان من أسمائه الحسنى هما الرحمن والرحيم.
الرحيم من أسماء الله الحسنى معانٍ ودلالات
"الرحيم" من أسمائه التي تشوق المؤمنين إلى صفاته, وتقربهم إلى كمالاته, وتغرس في نفوسهم أعظم الرجاء منه -سبحانه-, ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة:163], والرحمة من صفاته العظيمة ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾, واقترن الرحيم باسمه الرحمن في ستة مواضع من القرآن, ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 163].
وفي تفسير اسم الله الرحيم قولان:
الأول: أن الرحمة التي دل عليها الرحيم رحمة خاصة تكون للمؤمنين فقط، ولذا فغالبا ما يقترن اسم الله الرحيم بالتواب والغفور والرؤوف والودود بهذا الاعتبار، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 16]، ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 199], فرحمة الله -عز وجل- التي دل عليها اسمه الرحمن شملت الخلائق كلهم، لكنه في الآخرة يختص برحمته المؤمنين, ولذا قال -سبحانه-: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 43].
الثاني: أن الرحمن يدل على الصفة الذاتية من حيث أنه متصف -سبحانه- بالرحمة, واسمه الرحيم يدل على الصفة الفعلية من حيث إيصاله الرحمة إلى المرحوم, فالرحيم -سبحانه- واصل الرحمة إلى خلقه, والرحمن شاملها على عباده.
من مظاهر رحمة الله لعباده
ولرحمة الرحيم تعالى مظاهر, منها:
ما سخره الله لعباده في هذا الكون لاستمرار عيشهم, واستقرار حياتهم, قال تعالى: ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص:73].
ومن مظاهر رحمته: ما منَّ به على عباده من النعم التي يسرت لهم كل صعبٍ وعسير, قال تعالى عن الأنعام: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل:7], ورحمة الله بنعمه على عباده ليس لها إحصاء ولا عد, ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: 18].
ومن مظاهر رحمته تعالى: أن أرسل الرسل وأنزل معهم الكتب, قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم:50], وقال: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [فصلت: 2].
ومن رحمته -سبحانه-: أن أوحى إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-, قال تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ [القصص: 86], وأخلاقه -عليه الصلاة والسلام- رحمةً من الله تعالى, ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران: 159].
والقرآن الذي بين أيدينا من رحمة الله لنا, قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ أي القرآن, وإبقاء القرآن بيننا من رحمته -سبحانه-: ﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً * إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 86- 87].
ومن مظاهر رحمته بالمؤمنين: ما شرع لهم من الأحكام والحدود والشرائع, وهذه الحدود وإن كان في ظاهر بعضها الشدة, ففي باطنها أعظم الرحمة, قال تعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 16], وقد شرع للمؤمنات من الأحكام الخاصة بهن ما فيه حفظهن رحمةً بهن, قال تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[الأحزاب:59].
ومن رحمته: أنه يقبل توبة عباده مهما بدر منهم من ذنبٍ, قال -سبحانه-: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].
ومن رحمته تعالى: رفع الحرج عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- وعن أمته, قال تعالى: ﴿لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 50], وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 173].
ومن رحمة الرحيم -سبحانه-: ما يقدره على عباده المؤمنين, فقد يحصل لهم من البلاء ما يفارقون به ديارهم وبلادهم, وربما يقتل بعضهم ويجرح, وهذا البلاء للمؤمنين ظاهره العذاب وباطنه الرحمة, قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 100], في غزوة الأحزاب كان البلاء على المؤمنين شديداً, وصفه المولى بقوله: ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب:11], ثم ختم الله قصة الابتلاء ببيان رحمته تعالى بعباده, ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب:24].
هذه الابتلاءات رغم شدتها لكنها تنقية للقلوب من أدرانها, ولولا رحمته -سبحانه- ما زكت نفوسنا, كما قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ [النور: 21], ثم يأتي نصر الله تعالى لعباده بعد التمحيص, والنفوس في شوقٍ لنصره وفرجه, وما نصر الله لعباده إلا مظهر من مظاهر رحمته, ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: 4، 5].
ومن مظاهر رحمته: أنه يحفظ عباده الصالحين, ويرحم بصلاحهم ذريتهم, قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ [الكهف:82].
رحمة الرحيم خزائن لا تُحصى ومتعلقة بمشيئته سبحانه
إن رحمة الرحيم خزائن لا تُحصى, قال تعالى: ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ [ص:9], فكيف يقنط عبدٌ مؤمن من رحمته -سبحانه-؟!, ﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾ [الحجر:56]، إنه لا يقنط من رحمة الله إلا من وصفه الله بقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ [العنكبوت: 23].
إن رحمة الرحيم -تبارك وتعالى- متعلقة بمشيئته؛ فهو ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [آل عمران: 74], وهو -سبحانه- (يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الإنسان:31].
أسباب نيل رحمة الله
ومع تعلقها بمشيئته إلا أن لها أسبابا ينبغي للمسلم تلمسها؛ منها:
الإيمان بالله تعالى: قال -سبحانه-: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾[النساء: 175].
طاعة الله ورسوله: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران:132].
التوبة والإنابة: قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53].
الإصلاح بين الناس: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات:10].
الصبر على البلاء: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 156، 157].
الإحسان إلى الخلق: قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، "ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".
من أصناف المرحومين
ذكر الله أصنافاً ممن تشملهم رحمة الله تعالى؛ فليسعَ المسلم ليكون منهم, فمن ذلك:
الأنبياء والمرسلون: قال تعالى: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 85، 86].
الصالحون من عباده: قال تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [يوسف:53].
أهل الاجتماع في الدين: قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود: 118، 119].
المهاجرون والمجاهدون في سبيل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
المحسنون: قال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].
لا نجاة إلا برحمة الله تعالى
وليس لعبدٍ نجاة من قضائه الكوني إلا برحمته -سبحانه-: ﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾, وقال: ﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾[هود:66].
ولا نجاة من الذنوب, ولا عاصم من الشيطان الا برحمته -سبحانه-, ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83]، والنجاة يوم القيامة برحمته -سبحانه-, ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الدخان: 41- 42]. وفي الحديث: "سدِّدُوا وقارِبُوا وأبْشِرُوا وَاعْلَمُوا أنْ لنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُم عَمَلُهُ الجنَّةَ". قالوا: ولا أنْتَ يا رسُولَ الله؟ قالَ: "ولا أنا؛ إلا أنْ يَتَغَمَّدَني الله بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمةٍ".
دعاء الله الرحمة
حياتكم برحمته -سبحانه- تعيشون في ظلاها ليل نهار, وحاجتكم إليها كحاجتكم للطعام والشراب, ولذا فطلبها متأكد, أمرنا الله بدعائه بذلك, فقال: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 118], ولذا كان الأنبياء يدعون الله تعالى طلبا لها, هذا نوح يدعو ربه: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: 47], وموسى يدعو الرحيم: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأعراف: 151], والصالحون من عباد الله على أثرهم سائرون, ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 109].
وكم يحتاج المبتلى والضعيف الخائف إلى رحمة الرحيم -سبحانه-, أدرك ذلك الفتية حين آووا إلى الكهف ودعوا: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾[الكهف:10], وكل مكروبٍ وملهوف يحتاج لرحمته -سبحانه-, قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ".