ما تزال أصداء المقابلة «التلفزيونية» التي أجراها الرئيس الروسي/ بوتين, «لأول مرة» مع صحافي «غربِيّ", منذ بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا, هو الصحافي الأميركي تاكر كارلسون المُحافظ والمثير للجدل، صاحب الشعبية الواسعة في الولايات المتحدة، الذي كان غادرَ قبل أشهر قليلة قناة «FOX NEWS»، ليُطلق برنامجه الخاص على موقعه الإلكتروني وعلى منصة «X». تتردَّد أصداء المقابلة في عواصم الدول الغربية ومؤسساتها الإعلامية والسياسية والدبلوماسية, تماماً كما في العاصمة الروسية التي تُبدي ارتياحاً لافتاً إزاء ردود الأفعال الغربية وبخاصة الأميركية المُتشنجة والغاضبة, والتي عكستها من بين أمور أخرى التصريحات التي أدلى بها مُتحدث مجلس الأمن القومي الأميركي/جون كيربي مباشرة بعد إنتهاء بث المقابلة في التاسع من الشهر الجاري (تم تسجيلها في السادس من شباط الحالي), إذ قال كيربي: هذه المقابلة الجديدة مع بوتين «لم تكن ضرورية, لكي يُدرك الشعب الأميركي وحشية الرئيس الروسي». مُضيفاً في غضب.. «إن ما فعله بوتين في أوكرانيا يجب أن يكون واضحاً للجميع، وكذلك الأسباب الوهمية والسخيفة التي يُحاول من خلالها تبرير أفعاله».
وإذا كان مُعلّقو وسائل الإعلام «الروسية» قد احتفوا بمضامين المقابلة, وأولوا إهتماماً بما أدلى به بوتين طوال ساعتين للصحفي الأميركي, فإن الأخير/كارلسون قد تعرّض لحملة شيطنة ضارية من سياسيين ومُشرّعين وخصوصاً من وسائل الإعلام الغربية, ومن زملاء له في المهنة, لم يتردد بعضهم/وبعضهن من إتهامه بـ«االعمالة» لموسكو أو في الحد الأدنى «مُروّجاً» للدعاية الروسية, على النحو الذي قالته ـ على سبيل المثال ـ وزيرة الخارجية السابقة/هيلاري كلينتون في مقابلة مع «MSNBC» رداً على سؤال عن رأيها بالمقابلة التي أجراها تاكر كأول صحفي أميركي مع الرئيس بوتين: «هذا يُظهر لي ما نعرفه جميعا بالفعل، إنه أحمق مُفيد». أعني ـ أضافت ـ إذا قرأتَ بالفعل ما يكتبه الإعلام الروسي، إنهم يتلاعبون به. أعني أنه مثل الجرو, كما يعلم الجميع ـ تابعتْ ـ أن تاكر بقي صامداً بطريقة ما بعد طرده من العديد من المواقع في الولايات المتحدة. لن أتفاجأ إذا حصلَ على عقد مع إحدى المطبوعات الروسية، لأنه أحمق مفيد. ويقول أشياء غير صحيحة. انه يكرر أكاذيب فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا. فلم لا يجري بوتين مقابلة معه».
تمة عيّنة «صحافية» هذة المرة بعد العيّنة السياسية السابقة/كلينتون, إذ كتبَ الصحافي أوليفر دارسي، على موقع «CNN»، تحت عنوان «بوتين ينجح في تحقيق انتصار دعائي» بعد مقابلة تاكر كارلسون «الليّنة»: «أصبح من الواضح الآن لماذا أجرى بوتين مقابلة مع تاكر كارلسون. على مدار أكثر من ساعتين، امتنع مقدم برنامج FOX NEWS السابق عن تحدي النظام الاستبدادي الروسي، الذي أدت حربه الوحشية على أوكرانيا إلى مقتل مئات الآلاف من الأشخاص بلا داع». وأضاف أنه من المؤكد أن أولئك الذين يتوقعون مواجهة قوية (مع بوتين من جانب كارلسون) سيكونون قد خرجوا بخيبة أمل شديدة, بسبب المقابلة الطويلة والمُتعثرة، والتي بدا فيها تاكر نفسه حائراً في بعض الأحيان».
ماذا قال المُعلِّقون الروس؟
هنا يحضر على الفور الفيلسوف الروسي المعروف/الكسندر دوغين الذي كتب تحت عنوان » تاكَر وبوتين ونهاية العالم».. مُتسائلاً في بداية تعليقه ــ وفق ترجمة الصديق د. زياد الزبيدي ــ لماذا تُعتبر مقابلة تاكر كارلسون محورية لكلٍ من الغرب وروسيا؟ قائلاً في إجابة على تساؤله السابق.."لنبدأ بالجزء الأبسط أي من روسيا. هنا، أصبح تاكر كارلسون نقطة محورية لمجموعتين مُختلفتين - قُطبيْن - داخل المجتمع الروسي: الوطنيين الايديولوجيين والنخبة الغربية التوجه، الذين يحتفظون مع ذلك بالولاء لبوتين والعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. بالنسبة للوطنيين، تاكر كارلسون هو ببساطة «واحد منا». إنه تقليدي. يميني محافظ، ومُعارض قوي لليبرالية. هذا ما يبدو عليه المبعوثون إلى القيصر الروسي في القرن 21.
لم يلبث دوغين أن يضيء على القطب «الايديولوجي الآخر من المجتمع الروسي, بالقول:
«من ناحية أخرى، تنفس أنصار الغرب الصعداء: حسناً، يقولون، ليس كل شيء سيئاً للغاية في الغرب، وهناك أناس طيبون وموضوعيون، لقد قلنا لكم ذلك! دعونا نكون أصدقاء، على الأقل مع هذا النوع من الغرب، كما يعتقد أنصار الغرب، إذا كان بقية الغرب الليبرالي العالمي لا يريد أن يكون صديقاً، بل يمطرنا فقط بالعقوبات والصواريخ والقنابل العنقودية، مما يقتل نسائنا وأطفالنا وكبار السن. نحن في حالة حرب مع الغرب الليبرالي، فلنكن على الأقل أصدقاء للغرب المحافظ. لذلك، في شخص تاكر كارلسون، توصل الوطنيون الروس وأنصار الغرب («أكثر روسية وأقل غربية على نحو متزايد «التوضيح من دوغين») إلى توافق في الآراء حول شخصيته».
في الخلاصة يقول دوغين: الطريقة الوحيدة لإنقاذ العالم هي التوقف الآن. ولهذا السبب، يجب على أميركا أن «تختار ترمب. وتاكر كارلسون. وإيلون ماسك. وأبوت». وسوف نحصل على فرصة للتوقف على حافة الهاوية. بالمقارنة مع هذا، كل شيء آخر ثانوي. لقد قادت الليبرالية وأجندتها الإنسانية إلى طريق مسدود. الخيار الآن ـ يختم الكاتب ـ هو: إما الليبراليون أو الإنسانية. اختار تاكر كارلسون الإنسانية، ولهذا السبب جاء إلى موسكو للقاء بوتين. وقد فهم الجميع في العالم سبب مجيئه ومدى أهميته.