مدار الساعة - يسعى النظام السوري جاهدا لحسم الحرب الدائرة في البلاد منذ أعوام، لكنه يحرص في الوقت نفسه على طي ملف المعتقلين، واستبعاده من مباحثات السلام المرتقبة، سواء في جنيف أو أستانة، حسب ما ذكرت صحيفة "تلغراف" البريطانية في تقرير صدر حديثا.
وأوردت "تلغراف" أن العائلات السورية التي ظلت تنتظر مصير أبنائها طيلة سنوات صار بوسعها أن تقصد مكاتب السجل المدني لتحصل على تأكيد بشأن وفاة أبنائها.
وعلى سبيل المثال تشير 400 من شهادات الوفاة التي تم تقديمها لعائلات معتقلي "صيدنايا" بريف دمشق إلى أن الضحايا ماتوا جراء أزمات قلبية أو جلطات، لكن الأهالي يشتبهون في أن يكون الموت ناجما عن التعذيب أو الإعدام دون محاكمة.
ولم تقم السلطات بإعادة الجثامين إلى العائلات، كما لم تخبرهم بمكان الدفن، وهو ما يدخل الأقارب في دوامة أخرى من الأسى، بالرغم من تأكيد المصير.
وقال الخبير في إدارة الأزمات بمنظمة العفو الدولية، كريستيان بينيديكت، إن دمشق وموسكو لا تريدان أن يُثار موضوع المعتقلين السياسيين، بالنظر إلى عدم رغبتهما في مواجهة طلبات تفتيش للمعتقلات.
وبحسب بينيديكت فإن الحكومة السورية حريصة على طمس القضية، لأنها تدرك أن أي عملية تفتيش ستقود إلى وضع "فظيع"، لاسيما أن منظمات حقوقية اتهمت نظام الرئيس بشار الأسد بالضلوع في عمليات تعذيب وحشية للمعتقلين.
وحقق النظام السوري تقدما ميدانيا خلال العام الجاري، واستطاع أن يستعيد أغلب المناطق من أيدي المعارضة المسلحة، بدعم من قوات روسية وميليشيات إيرانية.
ويرى الباحث في معهد تحرير لسياسات الشرق الأوسط، حسن حسن، أن النظام السوري كان يحضر لفترة ما بعد الحرب، وبما أن السلطات السورية صارت تخبر عددا من العائلات بشأن مصير أبنائها فمن الوارد أنها تريد طي الصفحة.
ويرجح الأكاديمي أن تكون موسكو قد أوعزت للنظام في سوريا بأن يدخل في مرحلة للمصالحة بعدما استطاع أن يسترجع أغلب المناطق في البلاد "الأمر يتعلق بحسابات مرسومة بدقة لا بصحوة ضمير".
ونقلت "تلغراف" قصة امرأة سورية ظلت تنتظر سماع خبر بشأن مصير أخيها طيلة خمس سنوات، لكن في الآونة الأخيرة جاء الجواب واضحا للأهل بتأكيد وفاته.
وقالت هبة دباس التي تعيش اليوم خارج سوريا، إن آخر مرة زارت فيها أخاها الراحل، إسلام هباس، كانت في 13 نونبر 2012، ولم يدم اللقاء حينها سوى 3 دقائق في غرفة مظلمة بمعتقل صندنايا، ذي الصيت السيء.
وتؤكد هبة أن أخاها كان في وضع سيء للغاية، ففي الدقائق القليلة للقاء كان يطلب منها أن تجلب له ثيابا وطعاما، لكن ذلك لم يتحقق، إذ لم يجر السماح بأي زيارة أخرى، وهو ما جعل العائلة تعيش على الأمل طيلة أعوام.
وذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية، العام الماضي، أن النظام السوري أعدم 13 ألف شخص، بينهم ناشطون بسجن صندنايا في بداية الاحتجاجات سنة 2011.
وتدخلت روسيا في سوريا أواخر عام 2015، واستطاعت أن ترجح كفة الجيش السوري، بينما أحجم الداعمون الغربيون للمعارضة على التدخل كبير خشية الاصطدام بالروس.
وانتهز الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قمته مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، مؤخرا، ليؤكد على "تعبيد الطريق" أمام عودة اللاجئين من الخارج إلى بيوتهم في سوريا.
وقال الروس إنهم بعثوا مجموعات عمل إلى كل من لبنان والأردن وتركيا حيث يوجد عدد كبير من اللاجئين السوريين، لأجل ترتيب جهود إعادة اللاجئين، وموازاة مع ذلك، تباحثت روسيا مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بشكل سري لأجل اقتراح إجراءات مماثلة للسوريين، الذين وصلوا إلى ألمانيا وقدموا فيه طلبات لجوء.
ولا تسلم محاولات نظام الأسد لطي الملفات العالقة من انتقادات، إذ يرى المعارضون أن ما حصل في سوريا يستوجب عدالة انتقالية وجبرا للضرر، على اعتبار أن الفظائع التي شهدتها البلاد لن تتوارى سريعا من المشهد ومن ذاكرة السوريين حتى إن تمكن النظام من حسم الأمور عسكريا إلى حد كبير.