قبل أن يجِفَّ «حِبر» الخبر المثير واللافت في مضمونه بل وتداعياته, الذي نشرته الخميس الماضي, صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية, واسعة الإنتشار والتأثير وخصوصاً وفيرة المصادر الاستخبارية التي تزودها بها دوائر ومؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة, ونقصد الخبر الذي تحدث عن أن نتنياهو «يُوجّه إهانات علنية لواشنطن, وأن بايدن يقترب من القطيعة معه, وأن الانتخابات الرئاسية تدفع بايدن لإعادة النظر في حساباته, فضلاً عن ان الإدارة الأميركية لم تعد تعتبر نتنياهو «شريكاً إيجابياً", ناهيك أن بايدن كان «مُتردداً» في السابق في التعبير بشكل علني عما يُخالجه, زد على كل ما سبق, أن بايدن «يدفع ثمناً سياسياً يكبر كل يوم» بسبب دعمه غير المشروط للكيان الصهيوني.
هذا ما ذكرته «واشنطن بوست» قبل أربعة أيام, ما أثار «تفاؤلاً حذِراً في دوائر عديدة دولية وإقليمية وخصوصاً عربية/ وفلسطينية, بإمكانية لجم حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش النازية الصهيونية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة, خاصة ما أوردته الصحيفة الأميركية «الأولى» قول بايدن إنه يعتبر الرد العسكري الإسرائيلي في غزة «مُفرطاً»، وأن «العديد من الأبرياء يعانون من المجاعة، والعديد من الأبرياء الذين يواجهون مشاكل يموتون». ـ مُضيفاً ـ «يجب أن يتوقف ذلك».
تبدّدت تلك التسريبات التي تبدو وكأنها سُرِّبت «عن قصد", في محاولة لإمتصاص الغضب المُتصاعد بين شعوب معظم دول العالم, ضد الإنحياز بل الشراكة الأميركية مع الدولة العنصرية الفاشية, في حرب الإبادة المتواصلة فصولاً دموية للشهر الخامس. مكالمة بايدن (الرئيس الأميركي هو مَن رفعَ «السماعة", في مكالمة استمرت 45 دقيقة) فجر أمس, مع مُجرم الحرب نتنياهو, هي التي بدّدت التفاؤل الحذِر الذي أشاعته «تسريبات» واشتطن بوست, والتي تبيّن انها غير صحيحة هذا إن أحسنّا الظن, و"مُضللة» إذا ما قمنا بربطها في ما قاله بايدن لنتنياهو فجر أمس.
ماذا قال بايدن لنتنياهو؟
مصدر ما تمخضت عنه مكالمة الرئيس الأميركي مع نتنياهو هو البيت الأبيض, أي أنها رسمية وليست تسريبات مقصودة أو مجرد تكهنات. إذ جاء من القصر الرئاسي الأميركي إن بايدن «حثّ» نتنياهو على عدم شنّ عملية عسكرية برية في رفح بجنوب قطاع غزة «من دون خطة ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ» لحماية المدنيين. مُضيفاً/البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي: «أكد مُجدداً رأيه بأن عملية عسكرية في رفح «لا ينبغي أن تتم من دون خطة ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ، لضمان الأمن والدعم لأكثر من مليون شخص لجأوا إلى هناك».
فهل ثمة شك بأن بايدن الذي قيل زوراً أنه «لا يدعم» عملية عسكرية صهيونية, ضد المدينة الفلسطينية التي لا تزيد مساحتها عن «63» كم/2 وتنوء بما يزيد عن مليون ونصف المليون نسمة من الفقراء والنازحين, قد منح ضوءاً أخضر جديداً لجيش النازية الصهيونية كي يُكمل أبادته لما تبقى من مدن القطاع الفلسطيني المنكوب, بذريعة «حق إسرائيل الدفاع عن نفسها», كما قال بايدن نفسه (شاركه في ذلك قادة وزعماء الاتحاد الأوروبي وبريطانيا, وكندا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وخصوصاً أوكرانيا), عندما منح قادة وجنرالات دولة الاحتلال, «أول» ضوء أخضر لتدمير القطاع وتهجير سكانه؟.
هل يمكن لأي مُنصف أن يلحظَ أو يستخلص من النص الذي أورده البيت الأبيض الأميركي, أي إشاره أو حتى إذا ما كان النص ذاته «إستبطن» رفضاً أو معارضة من بايدن لإصرار مجرم الحرب نتنياهو على إجتياح رفح. وهو القائل/نتنياهو: إن مَن يُعارض هجومنا على رفح, فإنه لا يُريد لإسرائيل أن تنتصر. فهل يعتقِد أحد أو يشك بأن بايدن لا يُريد لإسرائيل أن تنتصر؟).
وحتى لا نُغادر «مربع» وأجواء مكالمة بايدن مع نتنياهو, فإن من الضروري التوقّف عند «الطُرفة» التي تضمنها بيان البيت الأبيض الأميركي, إذ جاء فيه أن الرئيس الأميركي أكد في حديثه لنتنياهو, «ضرورة الاستفادة من التقدّم المُحرز في المفاوضات لتأمين إطلاق سراح جميع المحتجزين في أقرب وقت ممكن، لافتاً أن بايدن دعاه إلى اتخاذ خطوات عاجلة و«مُحددة» لزيادة المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين.
** إستدراك:
كتب «جدعون ليفي» مقالة في «هآرتس» أول أمس/الأحد, تحت عنوان: «أنا أتوسل: لا تدخلوا إلى رفح» جاء فيها:» في رفح يوجد الآن تقريباً 1.4 مليون نازح، الذين وجدوا الملجأ هناك تحت أكياس النايلون التي حولوها إلى خيام. (الإدارة الأميركية في واشنطن، التي يبدو أنها هي حارسة القانون والضمير الإسرائيلي، تشترط اقتحام رفح بوجود خطة إخلاء). لا توجد مثل هذه الخطة, ولا يمكن أن تكون حتى لو اخترعت إسرائيل شيئاً كهذا. لا يمكن نقل مليون من الأشخاص المعدومين، والذين الكثير منهم تم تهجيرهم عدة مرات من أماكن آمنة إلى أماكن أخرى، التي دائماً تصبح ساحات قتل. (لا يمكن نقل مليوني شخص وكأنهم أبقار مُخصصة للذبح. حتى الأبقار لا يمكن نقلها بهذه الوحشية). أيضاً لم يعد هناك أي مكان لإخلاء ملايين الأشخاص إليه. في غزَّة المُدمرة لم يعد يوجد أي مكان للهرب إليه أو للإخلاء. (إذا تم إخلاء اللاجئين في رفح إلى المواصي كما سيقترح الجيش في خطته الإنسانية فإن المواصي ستصبح مكان كارثة إنسانية لم نشاهد مثلها في غزَّة)».