سامحك الله اسراء يابنيتي الحبيبة، مااقسى السياط التي جلدتني بها لحظة فراق امك للحياة رحمها الله، وانت تطلبين مني المستحيل، الذي يعجز عنه كل من في الكون من مخلوقات حتى لو اجتمعت في خندق واحد، فكيف بوالدك الذي وقف عاجزا لأول مرة منذ ثلاثة عقود عن تلبية طلب لك، وعذره انه امام الموت يابنيتي يقف كل من في السموات والأرض عاجزا مهما بلغت قدراته وامكانياته ومكانته ، وأمام الموت لافدية ولا فداء، فانا اعلم يابنيتي مقدار حبك و حب اخوانكم لوالدتكم، وانه لو كان في قدرتكم فدائها لإفتداها أحدكم، لذلك وصف الموت بأنه هادم اللذات ومفرق الجماعات،واية الله في قهر عباده.
أمام الموت يابنيتي يتهاوى الأباطرة و السلاطين، والوزراء والغفراء،فيتساوون في حتمية الانتقال إلى الدار الأخرة عبر بوابة الموت، وأن تبادلت بعدها رتبهم ومواقعهم، فيصبح غفيرا أكرم عند الله واقرب من وزير، و يصير جنديا أقرب الى ملك السموات والأرض أجمعين من جنرال، ويسكن راعي غنم قصورا أعظم من قصور الفراعنة و الأباطرة والسلاطين الذين سيكون الكثيرين منهم في صقر.
الموت يابنيتي نهاية كتبها الخالق على خلقه اجمعين، لم ولن يستثني منهم احدا.
الموت يابنيتي حقيقة تتلاشى أمامها كل الامكانيات، و الواسطات والشلل والمحسوبيات والرتب والمراتب.
ولايتناسى هذه الحقيقة الا جاحد اعمى البصر والبصيرة.
والموت يابنيتي جرس تنبيه يقرع في اذاننا ٱناء الليل وأطراف النهار، خاصة في ظل ثورة الاتصالات التي صارت تنقل الينا صورا مختلفة من الموت وحجمه، حيث يموت اناس لايجدون من يدفنهم، فحمد الله أننا نجد من يغسلنا ويكفننا ويصلى علينا، ويدعو مستغفرا لنا، ويذكرنا بأن هذه الحياة الدنيا ليست الا محطة عبور إلى الحياة الأبدية بعد الموت.
محطة العبور هذه يابنيتي هي لحظة تغير في حياة الميت وأهله، والتغير يابنيتي صعب في بداياته حتى لو كان للأفضل.
وإذا كان الموت محطة تغير فان الحياة الدنيا قاعة امتحان من أحسن الاعداد له نجح وفاز، خاصة اذا كان اعداده للامتحان عملا صالحا يتعبد فيه الله، ويفيد فيه خلق الله :حسن تربية واعدادلذرية، وبرا بوالدين، وصلة رحم، واعمار للأرض وخدمة لعيال الله من خلقه، عندها ستكون جائزة النحاح خلودا في جنات النعيم.
وقاعة الامتحان هذه يابنيتي لا غش فيها، ولا أسئلة مسربة ولا واسطة ولا محسوبيات ولا رتب، فليس فيها للانسان الا ماعمل، وأفضل عمل الإنسان هو العمل الذي لا ينقطع، بموته ومنه ولد صالح يدعو له فادعوا انت واخواتك لوالدتكم بالرحمة وأكثروا من الاستغفار لها، وظلي مطمئنة لمغفرة الله ورحمتة ، ومن صور رحمة الله، ان الموت مصيبة تبدأ كبيرة ثم يستسلم الإنسان المؤمن لقدر الله فيخف الم الفراق، ومن صور رحمة الله مايطمئني قلبي مما أشعره من حب ابنائي وبناتي لبعضهم، وحفظ كل واحد منهم لغيبة سائرهم، حفظكم الله ورحم امكم.