انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

الأردن


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

الأردن

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2024/02/07 الساعة 09:23
في الأردن, يكفيك وأنت متجه للكرك أن تقف على جانب الطريق الصحراوي وتعطي إشارة (الفلشر)... وستجد عشرات السيارات, تقف لمساعدتك.. دون طلب أو دون تلميح حتى.
في الأردن وحده, يكفيك أن تقول لصاحب المطعم أنك نسيت (المحفظة) وليس لديك المال لدفع ثمن السندويشات, يكفيك أن تفعل ذلك..ليخبرك: (المرة الجاية أستاذ)..
في الأردن وحده صرت أخجل من الذهاب لبائع الخضار, لأنه يصر دوما على عدم أخذ النقود واعتبار الفاكهة هدية من المحل, ويهمس لي قائلا: (ظلك اكتب عن غزة أستاذ)... صرت أخجل صدقا من الذهاب لهذا المحل, لأني لا أستحق حجم هذا الحب كله.
في الأردن وحده... يكفيك أن تقف على الصراف الالي بانتظار الدور, وتأتي سيدة في أول الستين من العمر, وتحاول عبثا أن تسحب المال, وتطلب من شاب أظنه منا نحن البسطاء الفقراء, تطلب منه أن يساعدها في سحب المال ويكتشف أن رصيدها هو (الصفر) وأن كل راتبها قد سحب... الشاب نفسه همس بأذنها وأنا سمعت همسه كنت قريبا قال لها: (خالتو ما عليك اللي موجود بحسابي بنقسمو بيني وبينك.. وبعدين بتسديني)... الذين كانوا ينتظرون الدور مثلي, عرفوا بالأمر وعرفوا حاجة هذه السيدة وكلهم على ضيق العيش وقلة المال, طلبوا منها ذات الطلب... في الأردن وحده ما زالت الناس تهب لمساعدة سيدة لا يعرفونها, لكنهم لم يقبلوا أن يجعل المال دمعها يسيل, ولم يقبلوا أن تعود خائبة..
في الأردن وحده... ترسل الوجبات لعمال النظافة من البيوت, وفي الأردن وحده تغادر سيدة في (خلدا) منزلها كل صباح وتضع خليطا مما تبقى من طعام للقطط... هذه السيدة كل يوم وأنا في طريقي للعمل أشاهدها مرتدية (اليانس)... وأقف أراقبها, صارت القطط تعرف موعد حضورها.. وصارت تنتظرها عند باب العمارة.. والأهم أنها تأخذ الطبق حين تنتهي القطط من الأكل, وترافقها لباب العمارة كأنها تشكرها..
في الأردن وحده... تقف راهبة أمام طفلة غلبها البكاء في جبل عمان, والسبب أنها داست الطين بحذائها, أنا شاهدت الراهبة وهي تمسح دمع الطفلة.. شاهدتها وهي تجلسها على طرف الرصيف وتجعلها تخلع الحذاء, ثم تقوم بمسحه من الطين... وتنظيفه, وتمضي وقتا طويلا وهي تقلب حقيبتها وتخرج منها المناديل.. ثم تلبس الطفلة الحذاء وتقبلها وتجعلها تغادر... والراهبة ذاتها تغادر لكنيستها, لكنها تتركني أتأمل المشهد.. وأتامل حجم الحب هذا, وأعرف كم يغلب الدمع عيون الراهبات... وكم قمن ببناء مصانع الحب في هذا الوطن, والتي لم يتوقف إنتاجها حتى هذه اللحظة.
الأردن بنيناه على هذه الروح, وعلى هذه القيم... الأردن الحبيب الطيب لم نقم بغرس مداميكه على قواعد الربح أو حسابات الخسارة, لأن العاشق لا يبحث عن أرباح.. العاشق لا يجيد سوى الخسارات...
وها أنا في عشقي لهذا البلد أتلذذ بحجم الخسارات, أنا أصلا لم أبحث عن الأرباح في حبي للبلد...
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2024/02/07 الساعة 09:23