غاب الأرطبون أبو عماد منذ زمن طويل، دخل في غبش الشيخوخة الرائقة والصمت الأثيري والنسيان الخفيف، ذلك الذي كان صوت الأردن الهادر عندما غطت وطغت إذاعات الإسفاف على الأمة.
صلاح أبو زيد، القيادي الملهِم الرائد، هو من أسهم في تأسيس وزارتي الإعلام والثقافة والإذاعة والتلفزيون والأغنية الوطنية.
وهو من مَلَك المبادرة والجسارة ليذود عن الملك والمملكة ويُنادد عتاةَ الإعلام «الثوري» التضليلي، بكل هيلمانه وطاقاته وإمكانياته وخطابه المعادي للأردن والمَلكيات، بزعامة أحمد سعيد، الذي هيمن على إذاعات الأمة وإعلامها نحو 15 سنة، حتى هوت وذوت حقبةُ مزاعم إلقاء اليهود في البحر، و»تجوّع يا سمك»، ومسخرة صواريخ الظافر والقاهر، التي أورتثنا الانكسارَ والهزيمةَ سنة 1967.
زرتُ صلاح أبو زيد في سجن المحطة برفقة المهندس سمير الحباشنة. وأدمنتُ برفقة مريود التل وطارق مصاروة جلساته الصباحية وحديث ذكرياته، ذلك المثقف الأردني الكبير، الذي عشق الملك الحسين بلا هوادة وبلا حدود، كان من حوارييه الصوفيين الأثيرين، الذين يذوبون فيه عشقاً وولهاً، ويؤمنون بقدراته وزعامته.
كما ظل إيمانه مُفرِطاً ومطلقاً بمكانة الأردن وقوته ودوره الريادي المحوري في مشروع نهضة الأمة وتقدمها. ومع أردنيته الطاغية، كان قومياً عروبياً حتى النخاع.
«هنا عمان» كانت حداؤه وغناؤه وغِنى روحه وقلبه.
وكان صلاح أبو زيد صديق الكبار.
صديق الشاعر نزار قباني، الذي تحتل صورهما معاً صدر منزله في الشميساني، وصديق سعيد فريحة وغسان تويني وكمال جنبلاط وسعيد عقل وعدد كبير من قيادات الأمة الفكرية والسياسية والإعلامية.
صلاح أبو زيد المعلم والمترجم والمذيع والكاتب والسفير والوزير، كان رفيق هزاع المجالي ووصفي التل، ومعلم نخبة من المثقفين والإعلاميين المبدعين الأردنيين: عبد الرحيم عمر وطارق مصاروة وحيدر محمود وتيسير السبول وراكان المجالي ومحمود الشاهد وهاني صنوبر وصلاح أبو هنود وروحي شاهين.
رحل رفيق الشهيدين هزاع ووصفي، وهو على ثباته وقناعاته وقِيمه، التي كانت المحبة أولها واكثرها دواماً فهو الذي لم تَدنُ الكراهيةُ من قلبه، ولا عرف الغدرُ طريقاً إلى سلوكه.
يرحم اللهُ فقيدنا الكبير ويحسن إليه.