هكذا رحل صلاح أبو زيد في ليلة " كانونية" هادئا صامتا بعيدا عن بلادنا، وهو الذي ملأ الدنيا بصوته، رحل أبو زيد، قالها " هُنا" عمان وظلت عمان في وجدانه حاضرة زاهية، ومات بعيدا عن عمان.
كثيرون من الجيل الحالي يسألون من هو صلاح أبو زيد، وهو للذين لا يعرفون سيرته، هو الإعلامي والمثقف العروبي، كان من الرجال حول الملك الحسين ، ومحل ثقته، إنحاز للأردن عندما إنحاز كثيرون لأحزاب ولدول خارج البلد، إختار أن يقاتل بالكلمة وبصوته عندما تكالبت الدول ضد الأردن، وتكالبت الأنظمة لإنهاء المملكة، فكان صوته سوطا لاذعا ضدهم، وكان ندّا قويا ضد إعلام أحمد سعيد وكذبه.
صلاح أبو زيد كان كتيبة وجيشا لوحده، إختار الإعلام التعبوي وآمن أن الكلمة والأغنية هي مورد مهم للأردن، فكان من أوائل المؤسسين للإذاعة الأردنية، بإمكانيات متواضعة، وهو اول من صدح صوته القوي منها : هنا عمان .. إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية.
في نهاية الخمسينات والستينات وما بعدها إستطاع صلاح أبوزيد أن يؤسس مدرسة إعلامية وخطابا مقاتلا مركزيا عن الأردن وعن دوره وعن قضاياه، وهو من أسس للأغنية الأردنية وهو من إستقطب سميرة توفيق وجميل العاص وسلوى وتوفيق النمري وعبده موسى، كان يؤمن بأن الأردن كبير وعميق وأن القصيدة والأغنية هي عنوان الهوية الأردنية الوطنية، وأنها مشروع سياسي يقاتل بهما في بحر سياسي في معركة البقاء، وبذلك توافق مع وصفي التل وحابس المجالي الذين رأوا الأردن في قصائد البدو وأغاني الفلاحين والقرى، وغيرهم رأوا الأردن في أحزاب المعارضة وحمل السلاح ضد الدولة.
صلاح أبو زيد هو من زمن رجال الدولة المخلصين والذين قدّموا ما عليهم تجاه بلدنا، وما زال لهم في الوجدان مكانة، وفي الذاكرة والتاريخ الأردني مواقف لا تنسى، يذكره الأردنيون عندما إستشهد هزاع المجالي نعاه عبر أثير الإذاعة الأردنية وقال عبارته المعروفة : "بورك الدم يا كرك"..!!
رحم الله الفقيد أبوزيد وحريّ بنا أن نستذكره فهو من الرموز الوطنية التي قدمت الكثير ، ولهم الدور الكبير في تأسيس بلادنا والدفاع عنها، والإقتداء بهم عندما كانوا ينظرون للوطن مشروع حياة وليس مكسبا أو منصبا عابرا.