انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

الشخصية المستقلة


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

الشخصية المستقلة

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2024/01/29 الساعة 01:57
البارحة وأنا أقرأ, مرت علي جملة بناء الشخصية الوطنية المستقلة.. وقد توقفت عند المصطلح مطولا.
تذكرت شخصيتي, كيف هدمت تماما.. ففي الصف الربع الإبتدائي كان علينا أن ننتقل لمدرسة الذكور, ونترك الصفوف المختلطة والمعلمات.. كنت فرحا بهذا الإنجاز, أول يوم في المدرسة تلقيت صفعة كانت أشبه بسقوط سقف غرفة فوق رأسي... من دون ذنب تلقيتها, فقط لأنني طلبت تغيير كتاب اللغة العربية كون الصفحة الأولى فيه كانت ممزقة...
المعلمات كن حنونات جدا, لم اتعرض للضرب منهن.. كيف تجرأ هذا الأستاذ على صفعي ومن دون سبب, وحين عدت للمنزل والدمع يسري على وجهي.. ضحكوا وأخبروني بأني سأتلقى المزيد... كانت تلك الحادثة أول مدماك ينهار في الشخصية تماما... بعد ذلك توالت الصفعات وتطورت إلى الركل.
كنت أخلق مبررات للخنوع الشخصي مرتبطة بالمنظومة التعليمية ومتطلباتها.. أي منظومة تلك التي يستلذ من فيها بإيذاء طفل, قلبه أرق من غيمة مرت على سفح جبل فكان من العشب أن ذاب فيها وهي ضمته..
بعد ذلك توالت الانهيارات.. قلت في داخلي الحب كفيل بترميم عذابات القلب, وأحببت ليلى (بنت الجيران).. وقررت كتابة رسالة لها, وأنا على مقاعد الصف الأول ثانوي, كنت قد حفظت وقتها نصف قصائد نزار.. ونصف وجع بدر شاكر السياب, وكل العراق.. كتبت الرسالة وبحت لها بما في القلب من طرب لمشيتها وهي عائدة من المدرسة, صار قلبي أخضر مثل (مريولها).. وأظن أن نبضي استوى مع استقامة حاجبها الأيمن...لا أعرف من التقط الرسالة, لقد وضعتها على باب منزلهم أملا بأن تخرج وتجدها..لكن أحد أولاد الجيران التقطها, كل (ابو نصير) عرفت بأمر الرسا?ة إلا ليلى.. هنا انهار المدماك الثاني في الشخصية المستقلة, وقالوا لي: (بنات الناس مش لعبة عندك).. وجاء والدها إلى والدي وشكى مني, كان الأمر أشبه (بالفضيحة بجلاجل)... كل من في الحارة صار يرمقني بنظرات, تخيلوا حتى أم عمر حين مررت بجانب منزلها قالت لي بلهجة انتقام: (تعال يا هامل.. طلع معي الزبالة).. (وأبو لطفي) تخيلوا ابو لطفي التافه.. ذهب للمدرسة واشتكى علي لمديرها, مع أنه كان عاطلا عن العمل.. ومتهما بسرقة اسطوانة غاز.. كل ذلك يخرج من (ابو لطفي) التافه.
أي وطن ذاك الذي يعاقبك على الحب؟... بعد ذلك توالت الإنهيارات.. كان من أشدها السجن حين كبرت والتحقت بمرتبات العمل الصحفي, أعطوني بدلة زرقاء و (شبشب) وصاروا ينادونني (حجي)... قال لي الشاويش يومها: (إلبد.. وشوفلك زاوية في المهجع واصحى اسمع نفسك انت موصى عليك)...
المشكلة أنهم يرددون هذا المصطلح كثيرا: بناء الشخصية المستقلة... علما بأن البناء يكون حين توضع في قبرك وحيدا مسجى في ظلمة دامسة, ويقومون ببناء (3) مداميك من الطوب في حواف القبر, وتكون لحظتها مستقلا من الحياة..مستقلا من التعب, ومستقلا من العمر...والمداميك منتصبة بجانبك.
الإنهيار العربي لم يبدأ من نكسة (67) ولا من حرب ال (48) لقد بدأ من أول صفعة تلقيناها في منظومة تعليمية, كان العقاب فيها أهم من الكتاب..
كل ما تفعله غزة الان..هو بناء الحياة وبناء الشخصية المستقلة بالرغم من النزف..على الأقل غزة ترد على الجلادين بوابل من الرصاص والقذائف, ونحن كنا نرد على الصفع وكسر القلوب وتدمير العمر فقط بالدمع...
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2024/01/29 الساعة 01:57