ما الأولوية الأهم التي يجب أن تجمعنا، كأردنيين، في هذا المرحلة الملتهبة بنيران الحرب، وصراعات النفوذ، وانقلاب التحالفات، وهواجس القادم المجهول؟
الإجابة، بتقديري، هي مصلحة «الدولة الأردنية» ( نقطة)، فنحن، جميعا، مهما اختلفت اتجاهاتنا لا نختلف على حماية الدولة، والحفاظ على وجودها وحدودها، وضمان استقرارها واستمرارها، لا نحتاج إلى نصائح من أحد، أشقاء أو أصدقاء، ولا لأي ضغوطات ومزايدات، داخلية او خارجية، لنعرف ذلك ونفهمه، ثم نتوافق عليه.
هنا يجب أن نفرق بين الحكومات والإدارات العامة والمرافق الأخرى، ومن يتقلبون على مناصبها، وبين الدولة ككيان وثوابت ووجود، الأولى متحركة ومتغيرة، يمكن انتقادها والاختلاف معها، كما يجب التعامل معها، أحيانا، بمنطق تقدير المصالح والاضطرارات، لكن الدولة لا حياد بالانحياز لها، والدفاع عن خياراتها، ظالمة كانت أو مظلومة.
دفاعا عن الدولة الوطنية، والأمن القومي والوطني، كما تفعل الشعوب التي تنتمي حقا لأوطانها، لا بد أن يخرج الأردنيون من الصندوق الأسود الذي وضعتهم فيه سياقات وظروف سياسية واقتصادية، وربما تاريخية، فلا جدوى، الآن، من التمترس خلف صراعات المصالح والمبادئ، أو الخيارات والشعارات، لقد أصبح ترسيمها واجبا، للدولة اضطراراتها وفق ما تقرره المصالح، وللمجتمع قيمه وخياراته، لا يجوز لطرف أن يصادر حق الآخر فيما يراه ويقرره.
هذا الترسيم لا يعني أبدا أن يقبل الأردنيون بالوضع القائم على ما هو عليه، أو كما يراه بعض الذين تسللوا للمواقع العامة واحتكروها، وقرروا بالنيابة عن الناس ما يرونه وفق حساباتهم الضيقة، لكن المطلوب والضروري هنا الفصل بين تدافع داخلي ينتهي بالإصلاح تحت عنوان الصالح العام، والمشتركات الوطنية، وبين تدافع آخر ضد أي استهداف أو تهديد خارجي للدولة، تحت أي عنوان.
التدافع الأول سياسي في إطار الدولة، يحتمل الاختلاف، وربما الاشتباك الإيجابي، أما الآخر فمختلف تماما، لأنه باسم الدولة والدفاع عن نفوذها ووجودها ومصالحها العليا، ويقتضي التوحد والانسجام، وطي كل الخلافات او تأجيلها، والتنازل عن كل انتقاد لا يصب باتجاه تصليب الموقف العام.
بصراحة، نحن مقبلون على تحولات سياسية لها استحقاقاتها، سواء على صعيد الداخل وما يتعلق به من «أزمات» اقتصادية ومقررات مُرّة، أو من «صراعات» وانقسامات في مناطق النفوذ وخارجها، وعلى صعيد الخارج بما يحفل به الاقليم من «نذر» حرب قائمة واخرى قادمة، ومن ترتيبات وخرائط جديدة يُعاد رسمها.
وعليه، فإن «الفاتورة» التي سندفعها ربما تكون صعبة، وهي تحتاج الى دولة قوية تحسم تعريف خياراتها ومصالحها، بـ»جبهة» داخلية متماسكة ومؤمنة بما يستحق علينا وجاهزة لكي تدفعه.. واعتقد ان حالة بلدنا، الآن، لا تبدو كذلك؛ ما يعني أننا سنواجه «لحظات» صعبة يفترض ان نستبقها بعمل «جبّار» وجهود جدّية، تستهدف أول ما تستهدف تغيير المعادلات السياسية القائمة وأدواتها، والخطاب العام، نحو استدارات عاقلة وصحيحة وصلبة تقنع الجميع بأن مرحلة جديدة قد بدأت حقاً. هل ستبدأ حقا..؟ أعتقد ذلك.