مدار الساعة - ينبغي لقاصد صلاة الجمعة في أي مسجد من المساجد أن يتحلّى بآداب صلاة الجمعة؛ من الاغتسال والتطيب ولبس الأفضل من الثياب, وعدم تخطي رقاب المصلين, وعدم إيذائهم بروائح كريهة كرائحة الجوارب وأكل البصل والثوم أو التدخين, وكل ما يُعكِّر رائحة الفم ويؤذي إخوانك المؤمنين.
كذلك ينبغي لقاصد صلاة الجمعة أن يأتي إلى المسجد وهو في حالة نفسية جيدة ومعنويات عالية, وعليه الوقار والسكينة والطمأنينة ومرتاح البال, فلا يأتي المسجد وهو في حالة استعجال أو في حالة هستيرية أو في حالة تشنج, أو كأنه جالس على الجمر والشوك, أو يحدق عينيه مباشرة في الساعة الحائطية, ينتظر لحظة انتهاء شعائر الجمعة, وكأنه مسجون ينتظر لحظة إطلاق سراحه من القيود.
نعمة تهيئة المساجد في زماننا
الحمد لله مساجدنا في هذه الأيام مهيأة بجميع وسائل الراحة؛ كالماء الشروب البارد والأفرشة والمكيفات الهوائية والمراوح صيفا, وبالتدفئة شتاءً, وبيت وضوء مهيأة بجميع الوسائل؛ بحيث يستطيع أي مصلٍ أن يجدد وضوءه عند الاقتضاء, هذه الإمكانيات التي حُرِمها آباؤنا الأولون.
تعظيم أجدادنا للجمعة
لقد كان أسلافنا الصالحون -رحمهم الله- ينتهزون فرصة وجود هذا اليوم الشريف الجمعة, ويستغلونه ويتفرغون فيه للتزود مما شرع فيه, وخصص له من كثرة العبادة، والتقدم لأي مسجد، والتنافس في الخير، والإكثار من قراءة القرآن، وخصوصا سورة الكهف؛ لما ورد في فضلها، وكثرة الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكثرة الدعاء -خصوصا في ساعة الإجابة- وقد ذم الله أقواما بقوله: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[الجمعة: 11].
ثمرات عظيمة ليوم الجمعة
وإن أبشع الجرائم التي ترتكب في أيامنا هذه هو قتل معاني العبادات وأسرارها وغاياتها, فاعلموا أن الثمرة المرجوة من يوم الجمعة عظيمة وعظيمة جدًا, وأول ثمرة من ثمار حضور الجمعة هي ذكر الله كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾[الجمعة: 9].
ومتى ذكر العبد ربه ذكره سبحانه, ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾[البقرة: 152], وفي الحديث القدسي: "أنا مع عبدي حيثما ذكرني وتحركت بي شفتاه", ومتى ذكر العبد ربه اطمأن قلبه، ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28].
ومتى ذكر العبد ربه صار حيًّا لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت"، والحي هو الذي يشعر بألم المعاصي إذا مسّته، أما الميت فلا يشعر بشيء.
ومتى ذكر العبد ربه أدرك تقصيره في جنبه، فاستغفر لذنبه وأناب لربه, إذن فلا بدّ أن نعيد النظر -إخوتي الكرام- في نياتنا ومقاصدنا عند الإتيان لخطبة الجمعة؛ فإن كثيرًا منّا اليوم لا يستحضر هذه النيات الصالحة وهو قادم لصلاة الجمعة، بل أصبحت لديهم روتينا يقوم بأدائه كالآلة.
إذا كنت تريد الانتفاع من سماع خطب الجمعة فلا بد أن تأتيها وأنت تريد إصلاح نفسك، والعمل بما تسمعه، والقيام بأوامر الله -تعالى-, فإن القلوب مريضة، وحان إسعافها بالعلاج، وإن تعجب فاعجب من ابن آدم إن أصابه داء في جسده سارع إلى اتخاذ جميع الأسباب للشفاء، ولو أمر بإنفاق كل ما لديه لأجل حياة جسده لما بخل بشيء له، فكيف لا يسارع إلى إصلاح القلب الذي هو العدة ليوم القيامة، قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88، 89], ولو علم الله منّا ذلك ولو رآنا نسارع في صلاح قلوبنا لهدانا لذلك، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[العنكبوت: 69].
وهذا هو مفترق الطرق بيننا وبين صحابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان الواحد منهم يسمع آية واحدة من كتاب الله فيتجرد من جميع ما لديه، كأبي الدحداح -رضي الله عنه-، فقد روى البزار أن أبا الدحداح كان يجلس مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنزل قول الله -تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً[البقرة: 245] فقال: يا رسول الله! وإن الله -عز وجل- يريد منّا القرض؟! قال: "نعم يا أبا الدحداح"، قال: ابسط يدك يا رسول الله، فناوله يده، قال: فإني أشهدك أني أقرضت حائطي هذا ربي، وكان فيه ستمائة نخلة.
وقام أبو الدحداح وذهب إلى بستانه، ووقف على باب البستان ولم يدخل؛ لأنه لم يعد ملكًا له، ونادى زوجته: يا أمّ الدحداح! فقالت: لبيك، فقال: اخرجي فقد أقرضته ربي -عز وجل-، فسمع صوت امرأته من الداخل تقول: ربح البيع يا أبا الدحداح.
آية واحدة عملت هذا العمل, أتدرون لماذا؟ لأنّ جهاز الاستقبال صحيح غير معطل وهو القلب.
ولا نريد من الناس اليوم أن يتجردوا من أموالهم، ولكن حان الوقت أن يتجردوا من أهوائهم, وهم يسمعون اثنتين وخمسين خطبة جمعة في السنة، فمن العيب أن أبقى كما أنا ولا أتخذ قرارًا نهائيًا في الالتزام بدين الله العظيم، فالذي لا ينتفع بالآيات والأحاديث فلن ينفعه شيء.
الثمرة الثانية من صلاة الجمعة: ويظهر هذا الأثر من التسمية، فيوم الجمعة هو يوم يجتمع فيه المسلمون في صعيد واحد؛ الكبير والصغير، والعزيز والحقير، والغني والفقير، فتتآلف القلوب، وتتوطّد أواصر الأخوة والإيمان، ويلقى الأخ فيه أخاه فيسلم عليه، ويسأل عن حاله، فمن العيب أن أقصد الجامع الذي هو مكان الاجتماع يوم الجمعة الذي هو زمان الاجتماع، فنجتمع في زمان واحد، وفي مكان واحد، نعبد ونسجد لإله واحد، ثم تكون القلوب متنافرة متفرقة!!.
ما ضرّني لو نسيت كل الحقد والبغضاء الذي بيني وبين أخي؟! ما ضرّني لو صافحته وقلت له: لا بأس فلننس الذي فات، إنّما هي نزغة من نزغات الشيطان الرجيم؟!.
الثمرة الثالثة: الإعلام والتعليم، فالجميع يعلم أن قوى الشر والفساد والكفر والإلحاد سيطرت في هذا الزمان على وسائل الإعلام السمعية والمرئية والمقروءة، والمسلم لا يفزع لذلك ولا ييأس ولا يقنط ما دام مجال الدعوة مفتوحًا،من خلال منبر يوم الجمعة.