رغم استمرار القصف المُتبادل عبر الحدود بين لبنان والعدو الصهيوني, منذ الثامن من أكتوبر الماضي, بما هو اليوم الذي أعلن فيه حزب الله تضامنه مع قطاع غزة, وربطه ذلك بـوقف حرب الإبادة الجماعية, التي يشنها جيش الفاشية الصهيونية على القطاع الفلسطيني، فإن الأمور أخذت في الأيام الأخيرة أبعاداً أكثر خطورة, تشي باحتمال خروج الأمور عن نطاق السيطرة. في ظل عمليات القصف الجوي الصهيوني على بلدات ومواقع لبنانية عديدة تجاوزت في مداها المناطق المشمولة, في ما عُرف بين الطرفين اللبناني والصهيوني بـ"قواعد الاشتباك». بل لجأ العدو الصهيوني إلى حرب «الاغتيالات» التي استهدف فيها قادة وعناصر الحزب، الأمر الذي تجلّى في ارتفاع عدد عناصر الحزب الذين ارتقوا منذ ذلك الحين، ما دفع الأخير إلى اتخاذ إجراءات احترازية ووقائية في الآونة الأخيرة, أسهمت في تقليل عدد الذين سقطوا جراء الاغتيالات.
جديد مشهد «حرب الاستنزاف» الجارية بين الطرفين, هي التصريحات التي أدلى بها وزراء حكومة الحرب الصهيونية, إضافة بالطبع إلى نتنياهو عندما التقى ثلاثتهم (غالانت وزير الدفاع وغانتس/الوزير بلا حقيبة في حكومة الحرب/ ورئيس الحكومة/نتنياهو بوزير «الجيوش» الفرنسية/سباستيان لوكورنو في تل أبيب أول أمس، وإطلاق كل منهم تصريحات اتسمت كالعادة بالغرور والغطرسة، إذ قال غالانت «حتى لو أوقفَ حزب الله إطلاق النار من جانب واحد، فإن إسرائيل لن توقف إطلاق النار، حتى –أضاف- تضمن العودة الآمنة لسكان الشمال، بعد تغير الوضع الأمني على الحدود مع لبنان، مُضيفاً في تراجع تكتيكي مكشوف: ان إسرائيل تفضّل إنهاء الصراع مع حزب الله، من خلال التوصل إلى «حل سياسي» لكننا –استدركَ- نستعد لخلق وضع آمن لعودة السكان عبر الوسائل العسكرية أيضاً.
في الوقت ذاته لم يتردّد بيني غانتس/رئيس حزب المعسكر الوطني الذي ترتفع شعبيته بين الجمهور الصهيوني وفق الاستطلاعات على مستوى «المقاعد» التي سيحصل عليها حزبه في أي انتخابات مقبلة، وخصوصاً تقدّمه على نتنياهو في تلك الاستطلاعات, كمن يمنحه الجمهور الصهيوني أولوية على حزب اللليكود/ونتنياهو.. قال غانتس بعد اجتماعه مع الوزير الفرنسي في بيان صدر عنه: ان إسرائيل «تقترِب» من احتمال التصعيد على الحدود الشمالية، حيث سيتعيّن عليها –أضاف- التحرّك على نطاق واسع في عمق الأراضي اللبنانية، زاعماً أن ذلك «قد» يحدث بهدف «إزالة التهديد الذي يُواجهه المواطنون الإسرائيليون بما في ذلك –استطردَ- دَفع حزب الله بعيداً عن البلدات الحدودية»..
ولم يتأخر نتنياهو في استخدام العبارات ذاتها بعد لقائه الوزير الفرنسي, إذ «شدّد» على ضرورة إبعاد (إرهابييّ حزب الله/وفق وتعبيره) عن الحدود, وهو هدف –واصلَ- قوي لإسرائيل استناداً إلى مبادئ قرار مجلس الأمن/1701, لافتاً إلى أن هذا الهدف «يمكن تنفيذه دبلوماسياً وبطرق أخرى».
وإذ سعت إدارة بايدن كما رهط أتباعها في بريطانيا وفرنسا وخصوصاً المانيا, فضلاً عن مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي/بوريل ودول أوروبية أخرى، عبر إرسال وزراء خارجيتها وجنرالاتها كما سفرائها في بيروت, سعوا لإشاعة أجواء من التحذيرات المحمولة على تصريحات زائفة, تتحدث عن «حرص» الدول الاستعمارية هذه على مصالح لبنان, كون حكومة العدو بصدد «تدمير لبنان وإلحاق أذى كبيرا وغير مسبوق به", إذا لم يُنفّذ القرار/1701, وضرورة إبعاد قوات الحزب إلى ما بعد نهر الليطاني, ثم تراجعَ «المُحذّرون» الغربيون قليلاً, وقالوا أقلّه إبعاد فرقة الرضوان (قوات النخبة في حزب الله), ولاحقاً طلبوا «فقط» إبعاد قوات الحزب «7» كيلومترات, كي يعود المستوطنون الصهاينة إلى مساكنهم. إلا أن الحزب رفض «ربط» مسألة تنفيذ القرار1701 بما يجري من مواجهات حدودية بينه وبين العدو, مُعتبراً أن المواجهات ستتوقف حال وقفت الحرب الصهيونية على قطاع غزة.
المأزق الذي يعيشه جيش وحكومة العدو في قطاع غزة, وفشلهما في تحقيق إنجاز ميداني ملموس بعد 108 أيام من حرب الإبادة التي تشنها آلة الحرب الصهيوأميركية، تدفع قادته إلى إطلاق تصريحات عنترية كهذه, في محاولة لاستغلال الأوضاع الصعبة التي تعيشها بلاد الأرز وصراع نُخبِه السياسية والحزبية بل والروحية, المُنطلقة مواقفها من خلفيات طائفية ومذهبية، ناهيك عن القوى الانعزالية التي لا تتورع عن «تبرئة» إسرائيل (حليفتها في الحرب الأهلية واجتياح العام 1982 واحتلال بيروت), من احتلال أراض لبنانية.. مزارع شبعا وتلال كفارشوبا, ناهيك عن 13 نقطة حدودية لبنانية وفق خرائط الحدود اللبنانية الفلسطينية قبل قيام كيان العدو على أرض فلسطين.
سواء في ما خصّ استمرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية, أم خصوصاً في التجاذبات والخلافات بين القوى الحزبية والسياسية حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي, والاتهامات المُوجهة لها بمحاولة التعدي على صلاحيات موقع رئيس الجمهورية الشاغر منذ 15 شهراً).
في السطر الأخير.. لا تبدو تهديدات قادة حكومة العدو مُرشحة للترجمة ميدانياً، ليس فقط في ما يُشاع أن إدارة بايدن تضغط على نتنياهو كي لا يفتح جبهة جديدة, ربما تفضي إلى انفجار المنطقة بأسرها، بل خصوصاً أن جيش العدو بات مُنهكاً, على نحو لا يؤشر لجهوزية قتالية على جبهتين، مع إدراكهم العميق أن حربهم على لبنان لن تكون نزهة, ما يدعوهم لاستخلاص دروس وعِبر حربهم الفاشلة عام 2006.