واحدة من أهم مفاصل المواجهة بين المقاومة و"إسرائيل" في قطاع غزة أنها أسست لربيع في "إسرائيل" وربيع في العالم العربي.
الربيع الإسرائيلي ماثل أمامنا الآن وأنتجته مفاعيل الهزيمة الاستراتيجية المحمولة على فشل الكيان في كل جوانب المواجهة، هذا الربيع سيقصي بنيامين نتانياهو وائتلافه اليميني المتطرف عن مركز القرار.
في "إسرائيل" سيكون الربيع أسرع وأعمق تأثيرًا، وهو يجري برعاية أميركية جدية لصالح المعارضة التي يقودها بيني غانتس وغادي إيزنكوت (عضوا مجلس الحرب) وزعيم المعارضة يائير لبيد.
والهدف إنقاذ الكيان من الهلاك على يد نتانياهو والثلاثي المتطرف إيتمار بن غفير وسموتريش بتسلئيل وأرييه درعي. هذا حلف غلاة المتطرفين ومتفاهم على مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية بالقوة الغاشمة وإنفاذ مخطط التهجير، خلافًا للرؤية الأميركية والأوروبية.
وهو حلف يعارض كل ما من شأنه وقف الحرب، ويصر على تحقيق أهدافها المستحيلة، وتعي أميركا وأوروبا ونخب سياسية وعسكرية إسرائيلية أن تحقيقها بطريقة نتانياهو وحلفائه ضرب من الخيال.
صحيح أنّ هذا الربيع لن يكون سهلًا على الكيان والتحالف الغربي تحقيقه في المدى المنظور على أقل تقدير، لأن تداعيات وآثار صدمة عملية "طوفان الأقصى" ليست، ولن تكون، سهلة، ولعله من المبكر رصد هذه التأثيرات، التي ربما الكثير منها لم تظهر للعيان، ولم تدركها الأفهام، ومنها ما هو منغرز بقوة في عمق الهوية والعقلية "الإسرائيلية".
لذا؛ ربيع إسرائيل يراد له أن ينتهي بإقالة أو استقالة نتانياهو ومن ثم إجراء انتخابات مبكرة للكنيست، نتائجها وفق كل استطلاعات رأي الجمهور اليهودي تصب في صالح المعارضة بقيادة لبيد وغانتس وبفارق كبير.
هذا الربيع سيمكن أميركا من تصميم نخبة سياسية وعسكرية إسرائيلية جديدة يسهل التفاهم معها، ويتيح لها إنفاذ مقاربتها التي صار هدفها الكلي والنهائي استعادة الكيان لمكانته ودوره في المنطقة، وإنقاذ أميركا نفسها من التداعيات، ومن ثم مواصلة المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة باستعادة وهج التطبيع مع الكيان وإيجاد تحالف في المنطقة بقيادة أميركية لمواجهة التمدد الصيني والروسي والإيراني فيها.
الأكيد، أنه رغم كل محاولات أميركا تدوير الزوايا لإعادة ترتيب حالة الكيان فان بذرة الفناء زرعت في قلبه وتنشط في مفاصله، لكن مع ذلك لا أحد يستطيع أن يحدد لحظة أو توقيتا لبدء تسارع انهياره.
ماذا عن العرب..؟
إذا كان "ربيع إسرائيل" فاعلًا الآن، فـ"ربيع العرب" مؤجل مؤقتًا، وأيضًا سيكون هذا الربيع أحد مفاعيل وتبعات العدوان وحرب الإبادة التي يواجهها قطاع غزة أمام نظر وسمع العالم، وعلى رأسه العرب.
والربيع العربي سيُحمل على مرتكزين:
الأول: هزيمة "إسرائيل" التي لم تكن متخيَّلة بفعل ماكنة إعلامية عربية، وغربية، عملت لسنوات على ترسيخ أن هذا الكيان لا يهزم ولا قِبل لأحد في مواجهته، وأثبتت المقاومة أن الكيان هش ومتداع وقابل للهزيمة.
والآخر: فشل الرسمي العربي في اتخاذ أي خطوة جدية وواقعية لوقف العدوان على غزة، والاكتفاء بمواقف سياسية وإعلامية لم تُحدِث أي فرق، بل لم يُقِم لها الكيان أي وزن أكان من الائتلاف الحاكم أو المعارضة.
هذان العاملان أو المرتكَزان ضربا عميقًا في وجدان الشعوب العربية ووعيها، ورغم أنهما لم يؤديا بعد إلى تفاعلات تصادمية مع الرسمي العربي إلاّ أنهما سيكونان سببًا وحاملًا لـ"ربيع عربي" قادم سيأتي بأنماط جديدة وأشكال مبتكرة.
إن الشعوب تنظر إلى فعل أنظمتها وتدقق في كيفية تفاعلها وتعاطيها مع العدوان على القطاع، وترى كيف أن المقاومة، مع تواضع إمكاناتها، هزمت الكيان برغم جبروته وكل الغطاء العسكري والسياسي الغربي، وفي مقدمته الأميركي.
وترى كيف أن الدول العربية بلا ثقل وعلى هامش الأحداث، لا أثر لها ولا تأثير، وكيف أن "إسرائيل" تستبيح دولًا عربية والضفة الغربية، وكأن لا عربًا ولا أنظمةً في المنطقة تردعها ولا تَلجِمها، بل وتعتقد الشعوب العربية أن بعض الأنظمة متواطئة ومتآمرة وشريكة في الإجرام الذي تمارسه "إسرائيل".
ما فاقم حال الرسمي العربي أيضا، الضربة القاسية التي جاءت من جنوب أفريقيا بمقاضاتها "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية، لتعطي شعوب العرب سببًا آخر في تعميق وعيها بأن أغلب الرسمي العربي، باستثناء الأردن، منفصل عن شعبه ومستسلم لإرادة أميركا و"إسرائيل".
نعم، إذا كانت الموجة الأولى من "الربيع العربي" لم تأت بالنتائج التي كانت ترجوها، فالموجة الثانية، التي ربما لا تكون بعيدة، قد تصحح نتائج الأولى..