يواصل رئيس الدبلوماسية الأميركية/بلينكن, كما مستشار الأمن القومي/سوليفان, محاولاتهما دعم الرواية الصهيونية, التي لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر الماضي/طوفان الأقصى, بما هو اليوم الذي منح فيه الرئيس الأميركي/بايدن ضوءاً أخضر لجيش الصهيونية النازية, كي يسوّي قطاع غزة الفلسطيني بالأرض وتهجير ما تبقّى في عملية الإبادة الجماعية من سُكانه إلى المَنافي. وقد اندرجت جولات بلينكن الأربع في المنطقة (خمس زيارات لإسرائيل) التي انتهت للتو، كما فعل مثله سوليفان وخصوصاً الرئيس الأميركي في زيارتهما لإسرائيل وإن بعدد أقل من (زيارات بلينكن). في هذا الإطار الذي لخصه تقرير مُوسّع لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية (13 الجاري) على نحو لافت جاء فيه: القادة في إسرائيل لم يُظهروا أي اهتمام بتلبية المطالب المتعلقة برؤية السلام في المنطقة, مثل - والكلام للصحيفة الأميركية - إقامة دولة فلسطينية خلال لقاءات عقدها بلينكن مؤخراً, مُضيفاً - تقرير الصحيفة- أن حديث واشنطن عن رؤى طويلة للمنطقة سيبقى «مُجرّد كلام».
ثمة حاجة لربط ما ورد أعلاه – وما سيليه بالطبع- مع ما روّج له الثنائي الأميركي الأقرب إلى أذن الرئيس بايدن أول أمس/الثلاثاء, في مقابلة لشبكة CNBC الأميركية في دافوس, الذي يندرج في إطار لعبة شراء الوقت الذي تقوم به الإدارة الأميركية لتمكين قوات الفاشية الصهيونية إستكمال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ أكثر من 100 يوم. إذ قال لينكن بـِ (ضرورة «التطرّق» لقضية إقامة دولة فلسطينية, في الوقت ذاته الذي لم يخرج فيه مستشار الأمن القومي/سوليفان عن السياق ذاته, عبر «دحرَجة» مسألة إقامة دولة فلسطينية (ولو في إطاره الكلامي المحض) إلى أسفل دفتر الشروط والمساعي الاميركية, عندما قال سوليفان - في دافوس أيضاً- أن «رؤية» واشنطن لما بات يُعرَف بـ«اليوم التالي» للحرب على غزة، تشمل - الرؤية الأميركية- التطبيع الإقليمي والأمن لدولة إسرائيل ودولة للفلسطينيين», مع ملاحظة أن الترتيب الذي عرَضه سوليفان لم يكن عفوياً أو سهواً, بقدر ما كان دقيقاً ومقصوداً, فالأولوية عند الحلف الصهيواميركي للتطبيع الإقليمي, أو ما يصِفه بلينكن «دمج إسرائيل في المنطقة», ثم منح ضمانات أمنية «عربية» لإسرائيل, (كأن الأخيرة مُهددة عربياً) وثالثاً دولة للفلسطينيين.
لم يقُل سوليفان مستشار الأمن القومي وواضع الخطط المُفصلة, وخرائط الطريق ذات الإبعاد الاستراتيجي أمام الرئيس الأميركي, لم يقُل/سوليفان, إن كانت الدولة الفلسطينية العتيدة ستشمل الضفة الغربية وقطاع غزة,في ظل أحاديث وسيناريوهات عن «إدارة دولية» للقطاع الفلسطيني المنكوب. دون أن نتطرق إلى المتاهات التي سيدخلوننا إليها, إذا كانت/الدولة ستكون على خطوط الرابع من حزيران؟ أم خصوصاً عند التطرّق لمستقبل المستوطنات ونِسَب تبادل الأراضي التي تم الحديث عنها في المفاوضات السابقة, بين سلطة الحكم الذاتي في رام الله ودولة العدو, قبل انهيارها في عهد حكومة إيهود باراك, صاحب عبارة «ليس لإسرائيل شريكاً من الفلسطينيين», بعد قمة عرفات/باراك في كامب ديفيد عام/2000 ولاحقاً في عهد حكومة نتنياهو قبل توقّفها في العام 2010.
ذلك كله يعيدنا إلى تقرير نيويورك تايمز سالف الذكر, والتسريبات المُزيفة والمقصودة التي تحدثت عن «رؤية» بلينكن المزعومة التي «إصطدمت» بحائط في إسرائيل, وإن حكومة نتنياهو لم تُعطِ أي إشارة على أنها «تتماشى مع أهداف إدارة بايدن طويلة المدى»، لافتة ــ نيويورك تايمز- أن «الإسرائيليين» مُهتمّون بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدول العربية «القوية» (الوصف لنيويورك تايمز), لكنهم - تابع تقرير الصحيفة - يظلّون رافضين «علناً» للمطلب الأميركي و«العربِيّ» الحاسم وهو إنشاء دولة فلسطينية.
من السذاجة الإتكاء على تقرير كهذا، يذهب بعيداً في التضليل, خاصة في إظهار «عجز» إدارة بايدن عن «تطويع» نتنياهو وائتلافه الفاشي أو حتى إطاحته، خاصة أن أحداً في الإدارة الأميركية لم يتحدّث حتّى الآن, عن وقف لإطلاق النار, بل يُركز على «تخفيضٍ» في شدة القصف وإبطاء الغزو, كون وقف إطلاق النار سيفيد حركة حماس كما يزعمون، فضلاً عن حثّ نتنياهو على بحث «اليوم التالي» لمرحلة ما بعد وقف النار. وهو أمر أعلن نتنياهو بأنه «لن يقوم به» وأن حربه على غزة ستتواصل بالشدّة ذاتها حتى تحقيق الانتصار(..). اللافت أيضاً على نحو يُثير الريبة أن موقع «أكسيوس» الاخباري/الأميركي, المرتبط بعلاقات واسعة مع إدارة بايدن, «تطابقَ» مع تقرير نيويورك تايمز, عندما «كشف» أن زيارة بلينكن إلى إسرائيل الأسبوع الماضي, أدّت إلى تفاقم الإحباط (..) داخل البيت الأبيض ووزارة الخارجية من نتنياهو. وأن بايدن شخصياً يشعر بـ«الإحباط» بعد رفض نتنياهو (مُعظم) طلبات الإدارة الأميركية بشأن الحرب على غزة.
في السطر الأخير... يندرج كلام بلينكن عن «استعداد» أبدتّهُ دول «عربية» مُعينة, لتمويل عملية إعادة إعمار غزة, في إطار الحملة الصهيوأميركية لمنح «مكافأة» للدولة الصهيونية الفاشية العنصرية على عدوانها, والأولى أن تتولى أميركا ودول الغرب الاستعماري هذه المهمة. كونها هي التي دَعمت بالمال والسلاح والأساطيل والضغط السياسي والدبلوماسي والترويج الإعلامي, حرب العدو الصهيوني على قطاع غزة, محمولاً ذلك كله على رفض «قاطع» وقف النار بذريعة «حق إسرائيل الدفاع عن نفسها».