نظرت محكمة العدل الدولية بالشكوى المقدمة من دولة جنوب إفريقيا، فعلى جلستين استمعت للمرافعات والبينات المقدمة من الفريق القانوني لدولة جنوب إفريقيا والفريق القانوني لإسرائيل، ورفعت جلسات الاستماع لغاية استصدار قرار لاتخاذ تدابير مؤقتة كانت جنوب إفريقيا قد طلبتها من المحكمة لوقف العدوان والعمليات العسكرية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
هذه الشكوى التي تبنتها جنوب إفريقيا وتقدمت بها لمحكمة العدل الدولية بخصوص ارتكاب إسرائيل لجرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينين وعدوانها على غزة، وما ترتب على هذا العدوان العسكري من انتهاكات للإنسانية سواءً بالتهجير أو قتل وفقد الآلاف من الفلسطينيين على مرأى ومسمع العالم أجمع، وقامت عدة دول منها الأردن وتركيا والبرازيل وبوليفيا بدعم هذه الشكوى، التي تأتي بالاستناد لأحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المعاقب عليها والموقع عليها من الدولتين: جنوب إفريقيا وإسرائيل، هذه الاتفاقية التي أقرت وعرضت للتصديق في شهر 12 من العام 1948 من قبل الأمم المتحدة دخلت حيز النفاذ بشهر ديسمبر 1951 .
أعطت هذه الاتفاقية الولاية القضائية للنظر في أية مخالفات ونزاعات تنتج بين الدول المتعاقدة لمحكمة العدل الدولية من خلال طلب تفسير أو تطبيق أو تنفيذ لهذه الاتفاقية بموجب أحكامها والمادة التاسعة منها .
وهنا يجب أن نفرق بين المحكمة الجنائية الدولية التي تختص في محاكمة الأفراد على أساس مسؤوليتهم الجنائية، وما على هذه المحكمة من تحفظات سواءً بالتصديق أو سريان أو تطبيق القانون وتنفيذ الأحكام، وما بين محكمة العدل الدولية أعلى محكمة في الأمم المتحدة والنظام الدولي، وينضم تلقائياً بعضويتها كل الدول الأعضاء بالامم المتحدة .
والجميع يعرف أن هذه المحكمة تُعدّ المرجع القضائي الدولي المختص بالفصل بالنزاعات ما بين الدول التي تُعدّ الذراع القانوني والقضائي للأمم المتحدة، والتي نص على اختصاصها بموجب ميثاق الأمم المتحدة بالفصل الرابع عشر منه من خلال حل النزاعات القانونية التي تحيل إليها الدول وفقاً للقانون الدولي، وتقديم فتاوى في المسائل القانونية المحالة إليها من أجهزة الأمم المتحدة أو الوكالات الدولية المخولة والمؤلفة من خمسة عشر قاضياً وتنظر في أي نزاع يكون ما بين الدول، فيما يتوجب على الدول الأطراف الالتزام في أحكامها قانوناً، إلا أنها لا تملك السلطة لفرض تطبيقها .
ليست المرة الأولى التي تنظر المحكمة بأمر يتعلق بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد كان للمحكمة بتاريخ 9/7/2004 رأياً استشارياً حول قضية قانونية الجدار الفاصل، تلبية لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3/12/2003، والتي تذرعت إسرائيل بعدم قبولها للقرار لعدم اعترافها بسلطة المحكمة، ورفضت حضور إجراءات التقاضي وتجاهلت الحكم النهائي، التي قررت فيه المحكمة أنها صاحبة ولاية في تقديم الرأي الاستشاري، وأن هذا الجدار مخالف ويتعارض مع القانون الدولي، ويجب وقف إجراءات استكمال البناء فوراً، ويجب تعويض الفلسطينيين جراء الضرر الذي أصابهم من هذا الجدار في أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة، ويذكر بأن هذا الرأي كان أحد القضاة المشاركين في إصدار هذا القرار بالمحكمة القاضي الأردني عون الخصاونة.
إن إجراءات التقاضي أمام المحكمة سوف تمر بإجراءات ومدد قانونية من الممكن أن تأخذ وقتاً طويلاً، ولكن الأمل يكمن في الحصول على قرار أولي فوري يوقف العدوان على الفلسطينيين، بعد الطلب المستعجل المقدم من جنوب إفريقيا لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ووقف أية أعمال إبادة جماعية أو اتخاذ إجراءات معقولة لمنعها بالسرعة الممكنة استناداً للمادة 41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، الذي سيُعدّ خطوة ثمينة حال صدور هكذا قرار من أعلى جهة قضائية دولية، فيما يتوجب على العالم أجمع احترام قراراتها والالتزام بها لإتمام فاعليتها التي تتطلب أيضاً ارادة سياسية، وسوف يشكل أي قرار لغاية وقف العدوان وإدانة اسرائيل بُعداً معنوياً متقدماً ينعكس على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .