ما يجري في غزة من عدوان دموي على الشعب الفلسطيني هذه المرة مختلف في شكله وفي تداعياته.
في الحروب السابقة كان هناك أربعة أطراف: إسرائيل، ومنظمات المقاومة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني في غزة، والعالم العربي.
هذه المرة اختلفت المواجهة مع تعمق العدوان وانكشاف أهدافه وهي الإبادة والتهجير فاصبحت بين إسرائيل و«المقاومة» وعموم الشعب الفلسطيني والراي العام العالمي وعدد كبير من الدول التي صوتت لصالح وقف العدوان وعددها ناهز ١٤٣ دولة.
الحرب ليست متكافئة، فإسرائيل هي الأقوى عسكريا، و«المقاومة» هي الأقوى اخلاقيا لأن قضيتها عادلة والعالم تبين له أخيرا الخيط الأبيض من الأسود ومئات المظاهرات واستطلاعات الرأي العام، أقول ذلك وقد توجت أخيرا بمثول إسرائيل أمام محكمة لاهاي كمجرم حرب. العالم اليوم ينحاز إلى الجانب الأخلاقي، ولكن لا زالت القوى المهيمنة ملتزمة بالانحياز لإسرائيل بصرف النظر عما يحدث. ما عدا هؤلاء العالم وقف معنوياً على الاقل، إلى جانب غزة. في هذه الحرب الشرسة يجري القتال بين الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح الأميركي من جهة ومنظمات المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن ويتحمل الخسائر المادية والبشرية من جهة اخرى.
الشعب الفلسطيني المحاصر منذ ٧٥ عاما من التنكيل ومصادرة الحقوق والاعتقال والقتل بلا حساب والخذلان لا يملك سوى تأييده ودعمه للمقاومة، فلا ضوء في نهاية النفق من وراء الحلول السلمية والسبب هو اعتقاد إسرائيل أنها قادرة على تجاوز حقوق الشعب الفلسطيني ببيع الازدهار المزعوم.
الشعب الفلسطيني وبعد عقود من القتل والاضطهاد والفصل العنصري لم يبقَ لديه ما يخسره وإسرائيل تضرب شعب غزة لأنه هدف مكشوف وسهل، فتهدم الجوامع والكنائس والمدارس، والمستشفيات وتستهدف الناس في الشوارع كما تنسف المنازل على رؤوس ساكنيها على أمل أن يشكل ذلك ضغطاً على المقاومة فتستسلم تحت ضغط الشارع المذبوح لكن ذلك لم يتم لها والشعب الفلسطيني لم يلجأ إلى الحدود مع مصر مستصرخا فتح الأبواب.
الرأي العام العالمي الذي يحدد مستقبل الحكم في بلدانه يطلب وقف المذابح ووقف إطلاق النار لوقف المجازر، عندما شاهد الضحايا والدمار والعنف الإسرائيلي وكثرة الضحايا من المدنيين حفزت لتشكيل رأي عام ضاغط أوجد فجوة بين الشعوب وحكوماتها والسبب إسرائيل وزيف ادعاءاتها، والعالم ينقلب ضد إسرائيل اليوم وينزل اعلامها في اهم العواصم الداعمة والمؤيدة لها ويقول ان الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط ترتكب جرائم حرب وتتصرف بشكل وحشي ضد شعب أعزل وتدّعي أنها تحارب «المقاومة»، وأنها تدافع عن نفسها، مع أنها لم تنجح في وقف صواريخ المقاومة، وكل ما حققته هو إلحاق الدمار بالمجتمع المدني فاستحقت إدانة العالم.
هذه الحرب مختلفة في شكلها ونتائجها.. المجتمع الإسرائيلي غير موحد بمعنى أن حكومته بتشكيلتها من المتطرفين وأصحاب المصالح السياسية في جهة، وسكانها المختلط في الأجناس والأصول في جهة اخرى، والخلافات وصلت إلى القيادات وفيها تبادل جارح للاتهامات بل انه وصل حد التخوين.
هذه الحرب مختلفة في شكلها ونتائجها لان خسائر اسرائيل الاقتصادية غير مسبوقة وتعويضها صعب حتى لو فتحت الولايات المتحدة الأميركية أبواب خزائنها لها.