كما سقطَ المعسكر الغربي في امتحان حرب الإبادة الصهيوأميركية على قطاع غزة, وتبدّدت معها الشعارات المُزيّفة التي روّجت لها في دول العالم الثالث منظمات الـNGO's التي موّلتها «صناديق» الوقفيات الغربية الاستعماري، ها هي تتبعها مُنظمات دولية عديدة أفرزتها منظمة الأمم المتحدة, أحكمتْ الولايات المتحدة قبضتها عليها خاصة باستخدام تمويل موازناتها السنوية اداة للعقاب وتحقيقاً لأهداف سياسية, كما فعلت/واشنطن مع هيئة الأمم المتحدة ذاتها، ما بالك منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو), التي واصلت واشنطن ابتزازها ليس فقط عبر الانسحاب منها، خضوعاً لمشيئة دولة العدو الصهيوني, بل خصوصاً في محاولة لـشلّها من خلال قطع التمويل عنها.
يحضر هنا مثالان.. الأول هي المحكمة الجنائية الدولية المتواطئ مُدعيها العام البريطاني/ كريم أحمد خان, الذي جاءت به واشنطن وتل أبيب (رغم أنهما لم تُوقعا ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية)، إذ يُماطل ويُراوغ حتى الآن في فتح تحقيق بشأن جرائم الحرب, التي تقارفها آلة الحرب الصهيونية في قطاع غزة، على عكس السرعة «الصاروخية» التي تعاطى بها في أوكرانيا, وإصداره بعد عام واحد مُذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي/بوتين (17/3/2023).. فيما تحتاج تلك المنظمة إلى «سنوات» طويلة كي تصدر تقريراً نهائياً في أي ملف, كما هي حال التحقيق الذي فتحته/الجنائية الدولية, حول جرائم إسرائيلية «مُحتملة» في الضفة الغربية المحتلة والقدس وقطاع غزة منذ 13 حزيران 2014، وما يزال التحقيق الذي بدأ في العام 2021جارياً (كما يزعم كريم خان).
مناسبة الحديث عن «الجنائية الدولية», هو الإعلان الذي صدر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» قبل أيام/13 الجاري, جاء فيه أن المحكمة الجنائية الدولية أبلغتها أنها «ستُحقق في جرائم إسرائيلية مُحتملة بحق الصحافيين في الأراضي الفلسطينية بما فيها غزة». إلى هنا يبدو الخبر مُفرحاً وباعثاً على الأمل, إلا أن ذلك يتبدّد على الفور حال استكمال الخبر.. إذ نقلت المنظمة/مراسلون بلا حدود عن كريم خان/مدعي عام الجنائية الدولية قوله: أن التحقيق في الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية (أي تحقيق انتهاكات العام 2014 الذي بدأ في العام 2021) سيشمل الجرائم المُرتكبة ضد الصحفيين. ما يعني من بين أمور أخرى, قيام البريطاني كريم خان بعملية خبيثة لشراء الوقت والنأي المقصود عن التعاطي الجدي, بشأن جرائم العدو الصهيوني ضد الصحافيين الفلسطينيين, الذين ارتقى منهم منذ السابع من أكتوبر الماضي حتى الآن 117 شهيداً, سجَّلت عدسات المُراسلين أنهم إستُهدِفوا من قِبل جيش الفاشية الصهيونية عن قصد وسابق إصرار.
ما بالك أن كريم خان أدار ظهره وأغمض عينيه, عمّا يجري من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي قارفتها وما تزال آلة القتل الصهيوأميركية منذ السابع من أكتوبر, ولا يلوح في الأفق أنه بصدد فتح تحقيق في هذا الشأن, مع لفت الانتباه إلى أن إبلاغه منظمة «مراسلون بلا حدود» إعتزامه التحقيق في جرائم إسرائيل, ضد الصحافيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها غزة, جاء بعد يوم واحد من انتهاء جلسات الاستماع لمحكمة العدل الدولية, التي سرقتْ الأضواء من «الجنائية الدولية», فوجد نفسه/كريم خان مُعزولاً ومنبوذاً.
ماذا عن اليونسكو؟
حال الفرنسية/ أودري أزولاي, بما هي المديرالعام لهذه المنظمة, لا يختلف كثيراً عن حال البريطاني/كريم خان، إذ هي التي جاءت إلى موقعها عام 2017 بدعم وحماسة غربية لافتة وفازت على منافسها العربي/القطري حمد الكواري, بصوت واحد (30-28) «يحتاج الفائز وفق لوائح اليونسكو إلى 30 صوتاً». نقول: هي الآن ومنذ السابع من أكتوبر الماضي «تلتزم الصمت» ولم يُسمع لها صوت, خاصة بعدما عمِلت قوات العدو الصهيوني على تدمير أزيد من «100» موقع تاريخي في قطاع غزة, على نحو مقصود بذاته ولذاته. مع علمها أن القطاع الفلسطيني رغم صغر مساحته, إلا أنه يتميّز بموروث ومواقع أثرية ذات قيمة ثقافية ودينية, من مساجد وكنائس تعود إلى آلاف السنين, إذ رصدت دراسة حديثة أجرتها مجموعة «التراث من أجل السلام», أن مركز المخطوطات والوثائق القديم, وكنيسة جباليا البيزنطية وموقع البلاخية (الأنثيدون), تعرّضت لتدمير كامل بسبب القصف المباشر. بينما تعرّض المسجد العُمري في غزة, ومتحف دير البلح لأضرار جزئية.
** إستدراك:
في مقدمة تقريرها/ نشر في 7/11/2023، تؤكد مجموعة «التراث من أجل السلام» ومقرها مقاطعة كتالونيا الإسبانيةـ أنها تُحافظ على «موقف مُحايد» من القضية، مُشيدة بدور الناشطين على الأرض في سبيل حماية تراثهم.
ومن أهم ضحايا قصف الاحتلال الإسرائيلي المسجد العمري الكبير، وهو أحد أهم وأقدم المساجد في فلسطين التاريخية، وكنيسة القديس «برفيريوس» التي يُعتقَد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، فضلاً عن متحف رفح بالجنوب ومقبرة رومانية يبلغ عمرها ألفي سنة شمال غزة تم التنقيب عنها عام 2022.
يقول رئيس المجموعة/إسبر صابرين: «إن التقرير يُبرز تُراث غزة ويرصد آثار الدمار منذ بداية الحرب, في محاولة لرفع وعي المجتمع الدولي بشأن هذه الكارثة التراثية والثقافية».
مُضيفاً: أن أهمية تراث غزة «تتمثّل في شموليته لتاريخ الأديان واحتضانه أوائل الكنائس في العالم, وآثاراً بيزنطية وأخرى من الفترة المملوكية، فضلاً عن المتاحف».