ان الصراع بين حماس وفصائل المقاومة من جهة واسرائيل من جهة أخرى في غزة والذي أشرف على مائة يوم، نتج عنه اليوم تداعيات متسارعة شكلت قلقاَ عالمياً أدى إلى محاولات متعددة لايقافه ولكن دون جدوى، إلى جانب ذلك نلمح الاثر الواضح للدعم الامريكي الأبرز لإسرائيل، مقابل الضغوط ومواقف الرأي العام العالمي ليس فقط الداعية لوقف الحرب، بل التذمر الكبير من مآلات الوضع الإنساني الخطير على المدنيين والقتلى من كلا الطرفين، إضافة الى قضية المختطفين والاسرى، خاصة المتضررين المدنيين و وضعهم الإنساني .
وتتصدر الساحة الدبلوماسية مسألة الضغوط الأمريكية الحالية والمتوازية مع زيارة وزير الخارجية بلينكن الخامسة مند اندلاع الصراع في السابع من أكتوبر إلى المنطقة، بهدف مناقشة سُبل إنهاء الحرب المتزايدة يوماً بعد يوم، في ظل المطالبات الامريكية بأن تشن اسرائيل ضربتها العسكرية على مواقع وأهداف المقاومة، لتجنب مقتل المدنيين الفلسطينيين .
وقبل الخوض في السيناريوهات المحتملة لكل ما يجري من تطورات، استعرض هنا الوضع الميداني الحالي : فمن الواضح للعيان أن الاشتباكات مستمرة بين فصائل المقاومة وفي مقدمتهم حماس وبين الجنود الإسرائيليين الشمال والوسط والجنوب في قطاع غزة، معارك ضارية و دموية بين الطرفين مستمرة. وبشكل متوازي يوجد هناك معارك سياسية بين أعضاء حكومة نتنياهو من جهة، ومجلس إدارة الحرب من جهة أخرى وعزمها فشله في إدارة الحرب والاخص موضوع الأسرى و الرهائن مسببا غضب اخر على الحكومة. رغم اعلان اسرائيل الدخول في المرحلة الثالثة من الحرب والإنتهاء من المرحلة الاولى و انسحاب الدبابات من الشمال الى جنوب غزة ، لكن المعارك ماتزال مستمرة و محتدمة بينهم و بين فصائل المقاومة .
وهنا ندخل في مناقشة وتحليل السيناريو الابرز المحتمل في هذا الصراع المتعدد الجبهات، وهو وبسبب عدم وصول أي طرف الى حسم نهائي للمعارك، السيناريو الاقرب هو دخول مرحلة المفاوضات بين اسرائيل مع عدة اطراف، وهي حزب الله و الجبهة الشمالية و بالطبع حماس الطرف الأساسي في معركة غزة .
وفيما يتصل بسيناريو المفاوضات مع حزب الله ومعارك الجبهة الشمالية لإسرائيل، فانه وبعد احتدام المعركة مع حزب الله واغتيال بعض القادة العسكريين الميدانيين وأبرزهم قائد قوات الرضوان مؤخراً، و قادة آخرين في سوريا ومقتل قادة الحرس الثوري الايراني و أذرع إيران في العراق وسوريا واليمن . والسؤال المطروح هنا ما هي نتائج التطورات الميدانية السابقة على حزب الله و حماس في غزة؟ إن اهم النتائج والتداعيات المحتملة وتحديداً فيما يتعلق بالمعركة الحاسمة المتوقعة في جبهة الشمال مع إسرائيل وجنوب لبنان، وبالتالي انتقال المواجهات من مرحلة اشغال إلى جبهة مفتوحة تتضمن مرحلة متقدمة وواسعة من اطلاق الصواريخ، والدخول الى مرحلة الاستنزاف وهي سيناريو المعركة الحاسمة المقبلة على يبدو، فإذا حصلت فإنها سوف تكون الاكثر ذروة وإشعالاً لسماء المنطقة من خلال موجات القصف المتبادلة. واذا تصاعد هذا الصراع بهذه الالية المحتملة ودون نتائج، فإننا حتماً سوف ندخل سيناريو المفاوضات بين الطرفين، وهو مرحلة التسوية السياسية و المقايضات بين حزب الله واسرائيل، خاصة أن وضع حد لهذا الصراع لن يكون عسكرياً بل الطريق الوحيد له، هو تسوية سياسية محتملة، قد ينتج عنها ابعاد مقاتلي حزب الله في الجنوب الى ما بعد منطقة نهر الليطاني، وما يدفعني لهذا التحليل هو ما جرى من عملية اغتيال القادة الميدانيين وتدمير عدة مواقع لحزب الله، كذلك زيادة حدة المعارك مؤخراً على الجبهة الشمالية .
إن كل هذا الضغط الجاري على حزب الله من شأنه أن يلزمه نحو ضرورة قبول قرار مجلس الأمن رقم (1701) الموقع في 11 اب عام 2006م ، الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، إلى جانب إيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني جنوب لبنان، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات "يونيفيل" الأممية. واذا ما طبق هذا سيناريو التسوية ، فإن المرحلة المحتملة هي دخول قوى محايدة دولية لحماية المنطقة الحدودية بينهما و بالتالي المساهمة في حسم الصراع الحالي.
ويبقى الموضوع الاهم في الصراع، هو المعركة بين اسرائيل وحركة حماس في غزة و السيناريو المحتمل لها، يعتمد في الواقع على قاعدة واحدة وهي من سيحسم المعركة أخيراً، و بالتالي من سيحكم غزة بعد إنتهاء الحرب ؟
إن الوضع الميداني للصراع يظهر استمرار الحرب في غزة، ولأن المعركة لم تحسم، فإن الطرفين مصممان على الاستمرار في المعارك ، وبالتالي فإن النتائج لن تظهر قبل انتهاء المعركة وحسمها نهائياً، والموضوع الابرز هو أنه وبعد انسحاب اسرائيل من شمال غزة لوحظ تواجد لشرطة حركة حماس، و هذا يدل أنها موجودة على الأرض، ولديها القدرة على إدارة غزة الآن ومستقبلا اذا حسمت المعركة، خاصة مع ملاحظة استمرارها في دفع رواتب الشرطة ( ٨٠٠ شيكل لكل عنصر شرطة ) ولاعضاء حكومتها أيضاً ، كما أن شرطة حركة حماس تدير وتنظم الآن معبر رفح ، وبالتالي فإذا كان سيناريو انتصار حماس في هذه الحرب، فإن من شأنه تقوية النفوذ الايراني في الدول العربية و فتح شهيتها للتوسع وزيادة همينتها ، بإعتبارها الداعم الأساسي لحركة حماس وحزب الله، اما في حال وقوع السيناريو الاخر و هو حسم اسرائيل للمعركة، وقدرتها على على القضاء على حركة حماس، فإن السؤال المطروح هو من سيحكم غزة اذا خسرت حماس ؟ ويرتبط هذا السيناريو بموافقة مصر على تسويات جديدة مع اسرائيل، مقابل أمن المنطقة الحدودية بينهما، مقابل دفع الديون الهائلة المترتبة على مصر دولياً والتي باتت بسببها مصر تعاني من مخاوف الافلاس، ومقابل كل ذلك فعلى مصر المشاركة في ترميم و اعادة بناء غزة ومن أجل تأمين الحدود والقضاء على الانفاق على مصر المساهمة في وضع وتنفيذ الحلول لكل ذلك.
ونتيجة مباشرة لسيناريو الحسم الاسرائيلي للمعركة، فان ذلك يعني خسارة إيران و تحديداً اذرع إيران في المنطقة العربية.
وأخيراً فإن السيناريو المحتمل والمتصل بمستقبل غزة والشعب الفلسطيني في حال خسارة حماس للصراع في غزة وحسم اسرائيل الحرب لصالحها، فإن السيناريو المحتمل هو انشاء دولة فلسطينية ذات سيادة تقوم على مبدأ الحكم الذاتي وقطاع غزة منزوع السلاح وإعطاء المواطنين فيه جنسية دولة فلسطين .
وتبقى مسألة السناريوهات ومستقبل الصراع برمته موضوعاً مفتوحاً لجميع الاحتمالات والنقاشات، في ظل بوادر اتساع الصراع وضبابية المشهد السياسي والمفاجآت الميدانية والسياسية والدبلوماسية على كافة الاصعدة.