استعرضت هذه الزاوية الصحفية خلال الأيام الماضية عددا من محاور مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2024، والذي سيتجه بقنواته الدستورية لإقراره من قبل مجلس النواب خلال الفترة القليلة المقبلة.
التحليلات السابقة كانت مهمة في تقديم الرأي الموضوعي لما تضمنه مشروع قانون الموازنة من حيث إبراز مؤشراتها وأرقامها الحقيقية ومواطن الضعف والقوة والتحديات التي تحيط بها، لكي يتسنى لراسم السياسة الاقتصادية أن يتخذ قراره النهائي بناء على معطيات واضحة تتناسب مع الواقع.
واضح أن الشكل النهائي للموازنة المقبلة يتشابه كثيرا في مؤشراته مع الميزانيات السابقة، لكن مع اختلاف كلي وجوهري في طبيعة المناخ العام والواقع الحالي والتطورات السريعة التي تشهدها المنطقة، والتي من المؤكد أنها ستلقي بظلال قاتمة على أداء الاقتصاد الوطني المرتبط ارتباطا كبيرا بالإقليم، فهو سريع التأثر بما يدور في الحوار.
رغم جسامة الأحداث في الحوار وما خلفته حرب الإبادة التي يرتكبها كيان الاحتلال ضد الأهالي في غزة، نعم، نقولها بصراحة إن مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2024 هو خطة مالية للدولة كالمعتاد من حيث التطور والمؤشرات، لم تأخذ بعين الاعتبار أي تداعيات لحرب غزة. قد يقول قائل إن الحكومة لا تتوقع أن تمتد هذه الحرب لأشهر طويلة، وأنها ترى أنها قد تنتهي بشكل أو بآخر خلال أسابيع قليلة، حينها سيكون الاقتصاد الوطني قادرا على امتصاص تلك الآثار والخروج بأقل الخسائر.
لكن السيناريو الأكثر واقعية هو أن تلك الحرب قد تمتد لأشهر طويلة، فماذا بإمكان الحكومة أن تفعل إذا حدث هذا السيناريو لا سمح الله، خاصة في مواجهة تداعيات الحرب على قطاعات رئيسية مثل السياحة والصادرات والاستثمارات.
في الحقيقة، ليس بإمكان الحكومة أن تقدم موازنة الآن غير تلك التي قدمتها، لأنها ببساطة هذه هي مواردها المتاحة لها، إذا تغيرت الأمور عسكريا وسياسيا في المنطقة، وازدادت الضغوط المالية على الخزينة، فإن الحكومة عليها أن تعيد النظر في كل بنود الموازنة بالتعاون مع مجلس الأمة، وتعلن حينها موازنة طوارئ، وتوجه كل الموارد المالية للدولة لدعم الاستقرار والمحافظة على أمنها.
لكن في ظل الموازنة الحالية وبقاء الظروف الإقليمية على حالتها، فإن الحكومة بإمكانها رفع أعلى درجات التحوط من خلال الرقي في كفاءة إدارة المال العام.
بمعنى أن الحكومة، ورغم كل التحديات التي تواجهها تستطيع أن تقلل من تلك الضغوطات من خلال النهوض الفعلي بإدارة نفقات الدولة بالشكل الرشيد الذي يحقق أعلى درجات القيمة المضافة على الاقتصاد الوطني، وترحيل فوري لكل المشاريع التي ليس لها آثار تنموية على الاقتصاد.
لا يهم ما إذا كانت النفقات الرأسمالية في أعلى مستوياتها التاريخية (1.729 مليار دينار)، وبزيادة تجاوزت الـ11 % على العام الذي قبله، الأساس هو أن تنفذ هذه المشاريع بدقة وبسرعة متناهية ضمن المدد المحدد لها وبكفاءة عالية، فالإدارة الرشيدة للنفقات هي من الحكم الفصل في تعزيز مبدأ التحوط المالي للمرحلة المقبلة.