مدار الساعة - عرض وزير الدفاع الإسرائيلي للمرة الأولى خطته لما بعد انتهاء الحرب مع حركة حماس في غزة، وذلك مع تواصل القصف المكثف والعمليات البرية في القطاع قبيل جولة إقليمية لوزير الخارجية الأميركي تبدأ الجمعة.
وشكّل الحديث عن "اليوم التالي" للقطاع، وإدارته المدنية والعسكرية، بندا رئيسيا في النقاشات الدائرة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وبقيت التساؤلات عن شكل إدارة القطاع، خصوصا بشقّها الأمني، دون إجابات واضحة.
وتترافق هذه التساؤلات مع دعوات متزايدة لوقف إطلاق النار في ظل تزايد عدد الشهداء المدنيين، وأزمة إنسانية متعاظمة في ظلّ شح المساعدات ونزوح ما يناهز 85 في المئة من سكان القطاع.
ومساء الخميس، عرض وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خطته "لما بعد الحرب" في قطاع غزة الذي تحكمه الحركة منذ العام 2007. وبموجب هذه الخطة، لن تكون في القطاع الفلسطيني بعد انتهاء القتال "لا حماس" ولا "إدارة مدنية إسرائيلية".
وكشف غالانت أمام الصحافيين عن الخطوط العريضة لهذه الخطة قبل أن يقدّمها إلى المجلس الوزاري الحربي برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، المنقسم منذ أسابيع حول المسار الواجب اتّباعه في القتال الدائر.
وقال الوزير للصحافيين إنّه وفقاً لهذه الخطة فإنّ العمليات العسكرية "ستستمرّ" في قطاع غزة إلى حين "عودة الرهائن" و"تفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحماس" و"القضاء على التهديدات العسكرية في قطاع غزة".
وأضاف أنّه بعد ذلك تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة "اليوم التالي" للحرب والتي بموجبها "لن تسيطر حماس على غزة".
وأكد غالانت الخميس أنّه بموجب خطته "لن يكون هناك وجود مدني إسرائيلي في قطاع غزة بعد تحقيق أهداف الحرب"، وأن هذه الخطة تقضي مع ذلك بأن يحتفظ الجيش الإسرائيلي بـ"حرية التحرّك" في القطاع للحدّ من أيّ "تهديد" محتمل.
وشدّد على أنّ "سكّان غزة فلسطينيون. وبالتالي فإنّ كيانات فلسطينية ستتولى (الإدارة) بشرط ألا يكون هناك أيّ عمل عدائي أو تهديد ضدّ دولة إسرائيل".
ولم يحدّد غالانت من هي الجهة الفلسطينية التي يتعيّن عليها، وفقاً لخطّته، أن تدير القطاع المحاصر البالغ عدد سكّانه 2,4 مليون نسمة.
وفي الأسابيع الأخيرة، ناقش محلّلون سيناريوهات عدّة لما ينبغي أن يكون عليه الوضع في غزة بعد انتهاء الحرب. ومن بين هذه السيناريوهات عودة السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس إلى حُكم القطاع.
لكنّ استطلاعاً للرأي أجراه أخيرا "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة"، وهو معهد مستقلّ مقرّه في رام الله، أظهر أنّ ما يقرب من ثلثي الفلسطينيين الذين شملهم (64 %) يعتقدون أنّ حماس ستحتفظ بالسيطرة على القطاع بعد انتهاء الحرب. كما أن السلطة الفلسطينية لا تحظى بشعبية واسعة في القطاع الذي طردت منه في 2007 إثر معارك مع حماس.
ودعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتيّة في مقابلة نشرتها صحيفة فايننشال تايمز إلى "حلّ سياسي لفلسطين بأكملها" وليس لقطاع غزة فحسب. وقال "الناس بدأوا يتحدّثون عن +اليوم التالي+، عن السلطة الفلسطينية التي ستحكم غزة مجدّداً" لكنّ إسرائيل "تريد أن تفصل سياسياً قطاع غزة عن الضفّة الغربية".
وأضاف "لا أعتقد أنّ إسرائيل ستخرج من غزة قريباً، بل أعتقد أنّ إسرائيل ستنشئ إدارتها المدنية الخاصة التي ستعمل تحت سلطة جيشها المحتلّ، وبالتالي فإنّ مسألة +اليوم التالي+ ليست واضحة" حاليا.
"مُتنا، دُمّرنا"
وتعهدت إسرائيل "القضاء" على حماس بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته الحركة على جنوب الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وأدى الهجوم الى مقتل نحو 1140 شخصا غالبيتهم من المدنيين، وفق تعداد لوكالة فرانس برس استنادا الى أرقام رسمية إسرائيلية. كما أخذ نحو 250 شخصا رهائن، لا يزال 136 منهم محتجزين داخل القطاع، وفق ما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ليل الخميس.
وأدى القصف الإسرائيلي على القطاع، مترافقا مع هجوم بري اعتبارا من 27 تشرين الأول/أكتوبر، لمقتل 22438 شخصا غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
والخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي شنّ ضربات على مدينة غزة ومحيطها في شمال القطاع، وخان يونس كبرى مدن الجنوب.
وأشار الى القضاء على مقاتلين من الحركة، واستهداف "بنى تحتية إرهابية" في خان يونس، وقتل عناصر حاولوا "زرع عبوة ناسفة قرب جنود".
كما أعلن الجيش أنه قتل في شمال قطاع غزة "مسؤول الأركان العملياتية في منطقة شمال قطاع غزة" في حركة الجهاد الإسلامي ممدوح لولو، وذلك بغارة جوية.
في المقابل، دوّت صفارات الإنذار في مدينة عسقلان في جنوب إسرائيل. وأعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، استهدافها بصواريخ.
في غضون ذلك، تواصل نزوح سكان القطاع نحو الجنوب سعيا للابتعاد عن المناطق التي تتركز فيها العمليات العسكرية، في ظل الدمار الواسع الذي طالها وفقدان المقومات الأساسية للحياة.
وأظهر فيديو لوكالة فرانس برس الخميس وصول العديد من النازحين الى مدينة رفح الحدودية مع مصر. واستخدم هؤلاء عربات تجرها حمير، أو سيارات وشاحنات صغيرة تكدست على متنها بعض الحاجات الأساسية والفرشات والملابس.
وقالت امرأة لفرانس برس طالبة عدم ذكر اسمها "نزحنا من معسكر جباليا الى معان (قرب خان يونس)، ومن معان ها نجن ذاهبين الى رفح. شردنا، كانوا يطخّون (يطلقون النار) علينا".
وأضافت "لا مياه، لا كهرباء، لا أكل، ولا شرب"، مطالبة "كل الدول العربية بالوقوف معنا... مُتنا، دُمّرنا".
ويعاني سكان القطاع أزمة إنسانية كارثية وبات معظمهم على شفير المجاعة وفق الوكالات الدولية، في ظل نقص حاد في الغذاء والمياه والوقود والأدوية فيما لا تدخل المساعدات إلا بكميات ضئيلة جدا رغم صدور قرار بهذا الصدد عن مجلس الأمن.
بلينكن لزيادة المساعدات
في غضون ذلك، غادر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الولايات المتحدة ليل الخميس متجها الى المنطقة، في جولة ستشمل إسرائيل والضفة الغربية المحتلة، وخمس دول عربية هي مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات، إضافة الى تركيا واليونان.
وأكد متحدث باسم الخارجية الأميركية أن بلينكن سيناقش مسائل من بينها "إجراءات فورية لزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل كبير".
كما سيبحث بلينكن في جولته الإقليمية الرابعة منذ اندلاع الحرب في غزة، في "منع اتساع رقعة النزاع".
وأثارت الحرب بين إسرائيل وحماس مخاوف من اتساعها الى مواجهة إقليمية شاملة، خصوصا في ظل تبادل القصف اليومي عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وهجمات يشنّها الحوثيون في اليمن على سفن تجارية في البحر الأحمر دعما للفلسطينيين، إضافة الى هجمات تطال قواعد تواجد فيها قوات أميركية في سوريا والعراق.
وازدادت الخشية من اتساع النزاع بعد سلسلة ضربات في الأيام الماضية.
فقد قتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري بضربة في الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء، اتهمت الحركة وحزب الله والسلطات اللبنانية إسرائيل بتنفيذها.
والخميس، قتل قيادي عسكري وعنصر في فصيل حليف لإيران في "قصف أميركي" استهدف مقرا للحشد الشعبي في بغداد.وأكّد مسؤول في البنتاغون أن الولايات المتحدة هي التي نفّذت الضربة "دفاعا عن النفس. لم يتعرّض أي مدنيين لأذى. لم يجر ضرب أي بنى تحتية أو منشآت".
وهذا الأسبوع، حذّرت 12 دولة على رأسها الولايات المتحدة الحوثيين في اليمن الأربعاء من عواقب لم تحددها، ما لم يوقفوا فورا هجماتهم في البحر الأحمر.