منذ حرب غزة وأنا أحصي الأوصاف التي ألصقت بي..
مثلا على موقع (إكس) إذا وقفت مع المقاومة بقلبك وعقلك, يعلق أحدهم عليك كاتبا: كم قبضت؟... يكتب أحدهم تعليقا اخر: مسّيح جوخ.. وبعضهم يكتب: (بطشش)..
إذا وقفت مع وطنك, واسترسلت في عرض بطولاته.. في عرض أسماء الشهداء.. في عرض تاريخه ومواقفه مع فلسطين: يكتب أحدهم لك كلمة واحدة في التعليقات وهي: (عنصري).
وإذا قررت ترك العالم الإفتراضي وجلست مع متقاعدين تركوا الوظيفة بفعل تقادم الزمن والنسيان وما زالوا يحلمون بالعودة لها, وقدمت رأيا في المقاومة وقلت: (أنهم عبروا عما في قلوبنا) يقفز أحدهم على اعتبار أن جميع من في الجلسة لديهم محاضر ويسجلون التفاصيل ويصرخ بك قائلا: (خليك واقعي بلاش تشطح بخيالك), ثم يقفز اخر ويبدأ بالحديث عن الدولة الأردنية ودورها.. وتجبر أن تصمت, لأنهم يقدمون رأيك على أنه اتهام للدولة الأردنية.
لقد اعتدت على تلك الأوصاف, صارت جزءا أصيلا من ثقافة الحوار لدينا.. لكن ما يتعبني أكثر هم الناس الذين يحتكرون الحقيقة لهم وحدهم, ويحتكرون وصفي التل لهم وحدهم.. ويحتكرون التاريخ لهم وحدهم... يتعبني مشهد من لا يقبلون رأيا اخر, يتعبني مشهد من يقرأون أحداث غزة من زاويتهم فقط, يتعبنا جميعا مشهد من يجلس خلف مكتب فاخر ويبدأ صباحه بالسيجار الكوبي, وعبر خيوط سيجاره يرسم لك مستقبل المنطقة.. وكيف ستنتهي الحرب.. وكم من الضحايا سيسقط وعليك أن تقبل بكل ترهاته.
صرت في بعض الجلسات أعتبر من المساكين المغرر بهم, وصرنا في بعض الاراء نعتبر من الذين يحكمون القلب والعواطف ولا يحكمون العقل, كيف وصل العالم العربي لمرحلة يطلب فيها البعض منا أن نكون (واقعيين).. كل هذا الدم وهذا الإجرام وهذا الخراب ويطلبون أن نكون (واقعيين)؟.
المشكلة أنني لم أسمع صوتا واحدا في الكيان الصهيوني يدين جنديا صهيونيا, أو يعتبر كل تلك المجازر جريمة..: كلهم اتحدوا خلف الجريمة وقدموها على أنها: حق الكيان في الدفاع عن النفس, بالمقابل حين تشاهد انقسامات العالم العربي.. تكتشف أن ما قاله غسان كنفاني قبل عقود.. أصبح واقعا ملموسا....
أنا مدين لكل الحروب في المنطقة فهي تنتج الشهداء, وتنتج الرفض.. تنتج إرادة الشعوب الحية... وأيضا تلصق بي أوصافا من شاكلة: قبيض, عميل للمقاومة, مهستر.. مسيح جوخ, متسلق, مصدر...ألخ.
فلسطين هي وحدها ما زالت تنتج الشهداء, وعالمنا العربي ما زال غارقا في إنتاج أوصاف الناس, وفي تحليل المجازر, وفي الانقسامات الغريبة..