المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الذي يشرف عليه خليل الشقاقي نشر استطلاعا للرأي العام الفلسطيني حول عديد من القضايا والتنبؤات، وكانت النتائج مهمة لجهة اتخاذ قرارات مستقبلية حول القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع، وهي نتائج على درجة عالية من العلمية كونها تستند إلى الأسس العلمية الاحصائية في قياس الرأي العام الذي تكون صدقيته بنسبة خطأ لا تتعدى 3 %. تقول نتائج الاستطلاع.
إن 38 % من الفلسطينيين في غزة يفضلون حكم حماس، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 75 % لفلسطينيي الضفة الغربية، وإذا ما حدثت انتخابات الآن، فإن حماس ستحصل على 43 % من الأصوات وفتح 17 % منها، وفي الحالتين فحماس أكثر شعبية في الضفة منها في غزة وفتح أكثر شعبية في غزة منها في الضفة! اما الشخصية الفلسطينية الأكثر قبولا فهو مروان البرغوثي بنسبة 36 % ثم هنية ثم دحلان ثم حسين الشيخ. و64 % من الفلسطينيين يعارضون حل الدولتين، و63 % يعتقدون أن المقاومة المسلحة هي الحل للنزاع وليس أي طريق سياسي آخر. اما في حال انتهت الحرب، فقط 7 % يؤيدون حكم السلطة الفلسطينية لغزة والرفض مطلق لأي حكم عربي، والتنبؤ باستمرار حكم حماس.
في مقابل هذه الأرقام، تعيش حكومة نتنياهو اليمينية حالة من النزاع الحاد داخليا، وتراجع أرقامها بالرأي العام، فآخر الاستطلاعات تشير إلى أن الانتخابات إذا ما جرت الآن فإن حزب الليكود سيحصل فقط على 16 مقعدا في الكنيست في حين أنه يمتلك الآن 32 مقعدا، اما إذا تغير نتنياهو فالتوقعات لرقم الليكود تصبح 23. الاستطلاعات تشير أن حزب الوحدة الوطنية بزعامة بيني غانتس سوف يحصل على 38 مقعدا إذا ما جرت الانتخابات. ائتلاف الحكومة الحالية لن يحصل على أكثر من 45 مقعدا في حال أجريت الانتخابات الآن بينما يحتاج أي ائتلاف إلى 60 زائد 1 لتشكيل أغلبية، والمعارضة الإسرائيلية متوقع أن تحصل على 71 مقعدا في حال إجراء الانتخابات الآن. مغادرة الحكومة اليمينية ستكون أنباء سارة للجميع في المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، والأرقام تدلل على تراجع الليكود والخطاب اليميني في العموم بعيد الحرب في غزة. الفرق الأساسي بين اليمين والمعارضة حول آلية إدارة ما يحدث في غزة من عمليات عسكرية، والأهم، أفق ما بعد الحرب، فاليمين إذا ما هدأت الحرب سيعود لمربع تطرفه واستباحته للأرض والشعب الفلسطينيين ولن يكون معني بأي عملية سياسية، اما المعارضة وهي يمين الوسط والوسط فالارجح أنها ستدخل في عملية سياسية أكثر واقعية لانها تدرك في أجزاء مؤثرة منها ضرورة وحتمية قيام الدولة الفلسطينية.
المشهدان السياسيان الفلسطيني والاسرائيلي يدللان على إخفاق القيادات بشكل كبير في توجيه الرأي العام ووضع بدائل واقعية عقلانية أمامه، وعندما حدث هذا الإخفاق استباح الخطاب اليميني الإسرائيلي المتشدد المشهد، وخلق حالة من الضبابية وفقدان الأمل بالعملية السياسية والمفاوضات، ما جعل احتمالات الصدام تتفوق على أي بديل آخر. قحط سياسي وضبابية أمام الراي العام تجعل من النقاش العقلاني مهمة مستحيلة، ولكن هذا يتغير والأرقام تتحسن إذا بدأنا بضخ حوار عقلاني ينتج الأفكار والقيادات، ويحاصر خطاب التشدد اليميني.