الجميع يعلم أن المؤسسات المستقلة كانت أحد عناوين الخلل المالي في الموازنات العامة للمملكة على مدى العقدين الماضيين، وتسببت في نمو الإنفاق العام بشكل متزايد، وأدت إلى ضغوط على المالية العامة للدولة، وساهمت سلبًا في نمو عجزها المالي.
والكل يعلم أيضًا أن أداء المؤسسات أو الوحدات المالية المستقلة متباين من مؤسسة لأخرى، حتى في الأهمية كذلك، فهناك مؤسسات لا يمكن الاستغناء عنها، ونعتبرها أمرا مفصليا واستراتيجياً للدولة واقتصادها كالبنك المركزي على سبيل المثال لا الحصر، وهناك وحدات مستقلة لها دور مالي كبير من حجم التوريدات المالية للخزينة كهيئة تنظيم قطاع الاتصالات التي ناهزت فوائضها المالية بأكثر من 250 مليون دينار في بعض السنوات.
لكن في المقابل، هناك الكثير من تلك المؤسسات المستقلة التي أُنشئت خلال العقدين الماضيين، والتي كانت شكلاً من أشكال العبث الاقتصادي، فقد تشابهت في أهدافها التأسيسية مع الوزارات التي تتبع لها من الناحية الشكلية والإدارية، بحيث ولدت ضغوطًا مالية جديدة على الخزينة نتيجة إنفاقها المتزايد، علمًا بأن أعمالها وأهدافها هي ذات الأعمال التي كانت تقوم بها الوزارات، وكل ما حدث هو انتزاع تلك الأهداف من أقسامها إلى وحدات مستقلة تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وبموجب إطار تشريعي يحميها من أي تدخلات مباشرة من الوزارات التي كانت تقوم بأعمالها في السابق، بحيث أصبحت هذه الوحدات هيئات مستقلة بكل ما في الكلمة من معنى.
لكن للأسف، هذا الاستقلال المالي والإداري الذي منح لتلك المؤسسات بموجب القوانين، وبعد سنين من تجربة عمل تلك الهيئات، تحول إلى استقلال مالي في الانفاق فقط، في حين تحملت الخزينة عجزها المالي، بمعنى آخر، تحولت تلك المؤسسات إلى هيئات مالية تنفق كما تشاء، في حين تلقي بمسؤولية العجز على موازنات الخزينة العامة التي تتحمل إدارة مشهدها بشكل عام، علمًا بأن أساس تكوين تلك المؤسسات حسب القانون هو أن تكون هيئات تتمتع بالاستقلال المالي والإداري كاملاً، وتتحمل هي وحدها مسؤولية ذلك، لا أن تتحمل مسؤولية الإنفاق، في حين تتحمل الموازنة والخزينة مسؤولية عجزها المالي.
مشهد بعض المؤسسات المستقلة مؤسف للغاية، فلا هي تقوم بأعمالها بالشكل المطلوب، ولا هي تتحمل مسؤوليتها المالية كاملة، وباتت عبئًا على الاقتصاد الوطني ليس فقط من الناحية المالية، بل أيضًا من الناحية الإدارية والتوظيفية، حيث باتت مرتعًا لما يسمى بالبطالة المقنعة، وخروجها كذلك على سلطة الوزارات الأساسية وفق القانون.
أخيرًا، يجب على الجميع أن يتذكر أن وجود بعض المؤسسات كما قلنا سابقًا أساسي في الإدارة العامة للدولة، وبعضها طارئ وبات عبئًا ثقيلًا ماليًا وإداريًا على الخزينة، فبعد أن كان عددها 35 مؤسسة في عام 2002 تحقق فوائض مالية قدرت بحوالي 126 مليون دينار تورد للخزينة سنويًا، بات عددها 65 في عام 2015 تحقق عجزًا ماليًا يفوق نصف مليار دينار.
واليوم، بعد كل عمليات الدمج التي تمت في السنوات القليلة الماضية، نجد أن عددها وصل إلى 25 مؤسسة، لكن بعجز تجاوز الـ800 مليون دينار، مما يلقي بتساؤلات مشروعة حول حقيقة عمليات الدمج التي حدثت فيما إذا كان الدمج حقيقيا أم أنه كان دمجا ما بين لافتات تلك الهيئات.