بمناسبة الأعياد المجيدة، أتقدم بالتهنئة لأخوتنا المسيحيين العرب ولكافة الأردنيين والأردنيات خاصة ، على هذه الارض التي تضمنا معا.
نقول لهم: كل عام وأنتم اخوتنا وأحبتنا وشركاؤنا في بناء الأوطان والحضارة، وحمل الرسالة التاريخية- رسالة المحبة، والإخاء، والخلاص، والتحرر من الظلم، واشاعة العدل على الأرض. هذه هي الرسالة المحمّدية، وهذه هي تماماً رسالة المسيح. فالمؤامرة على مسيحيي الشرق هي مؤامرة على الشرق، أرضاً، ورسالة، وحضارة، كل عام ونحن معا وسويا من أجل كنس الاحتلال الصهيوني الغاشم واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
المسيحيون في بلادنا، هم ملح الأرض وجذر متين غائر في أعماق التاريخ، ولا يكاد يوجد مسلم حقيقي ينكر هذه الحقيقة ، كما لا يمكن لأي مسيحي حقيقي ان يتجاوزها ، ، فلهم منا كل الحب والمودة، موصولة بتمنياتنا لهم بأعياد مجيدة في ظلال أردننا الواحد الذي نطمح جميعا أن يظل على أحسن حال وينعم بالأمن والأمان وأن يظل منارة تتطلع الأمم إلى أن تحذو حذوه في إشاعة المحبة والسلام بين مختلف مكوناته الاجتماعية.
لا شك أن الجرح من فلسطين وخاصة غزة عميق, كما ولا شك ان أحد لا يجد أي حافز للاحتفال في هذه الأجواء الحزينة التي يتعرض فيها شعبنا في قطاع غزة لعدوان صهيوني فاشي مستمر غاشم، مرتكبا جرائم مروعة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، وسط صمت وتواطؤ دولي .
نعم، مسيحيي الشرق، تمتد جذورهم في بلادنا إلى بدء الخليقة؛ وهم الذين ساهموا مساهمة أصيلة في بناء مجتمعاتنا والانصهار فيها منتمين إلى ثقافتها حاملين ما انبثق عنها من عادات وتقاليد محلية وقيم إنسانية مستمدة من ذلك المنبع الشرقي الأصيل.
لقد تعرض مسيحيو الشرق عبر العصور إلى حملات منظمة تسعى إلى سلخهم من جذرهم الشرقي عبر الدفع بهم إلى الهجرة الطوعية تارة أو إلى التهجير القسري تارة اخرى، غير انهم ظلوا قابضين على الجمر متمسكين بهويتهم المشرقية ومدافعين عنها، وملتصقين بالأرض التي أنجبتهم لينثروا فيها ما جبلوا عليه من محبة وتسامح وسلام.
لم يكن مسيحيو الشرق العرب مُلحقين، أو تابعين، أو خارج دائرة الفعل والزمن والتأثير في المجتمع، بل أبدعوا وتميّزوا في مختلف مجالات الحياة، وساهموا في كافة محطات البناء الحضاري، محافظين على عقيدتهم وتراثهم الروحي.
عبر العصور، لعبت العديد من الشخصيات المسيحية في بلادنا دوراً بارزاً في إذكاء الروح الوطنية والشعور القومي للدفاع عن مصالح الأمة العليا، ضد المطامع الاستعمارية، وهو ما لم يرق لأعداء الأمة، الذين ظل الهدف بالنسبة إليهم إضعاف الكنائس في المشرق وتجريدها من دورها الحقيقي، والغاء طابعها وخصوصيتها الروحية وأصالتها والتصاق أتباعها بأرضهم ومجتمعاتهم.
لذلك فإن المؤامرات الغربية على مسيحيي الشرق بهدف استئصالهم من جذورهم وتهجيرهم هي في الواقع ظلت مؤامرة على مشرقنا لتغيير ملامحه وتفتيت مكوناته وإنهاء خصوصيته التاريخية والحضارية، وهذا ما استوعبه مسيحيو الشرق مبكرا ووقفوا في وجهه بكل قوة حفاظا على أرض الأنبياء والأجداد.
لقد آن الاوان أن نعي جميعاً مسلمين ومسيحيين الأبعاد الحقيقية للاعتداء على المسيحيين، والعمل يداً بيد لحمايتهم.