مدار الساعة - كتب: العين عبدالحكيم محمود الهندي -
هي حرب حقيقة يخوضها الأردن على حدوده الشمالية على وجه الخصوص، ولربما تكون بمعظم تفاصيلها العسكرية غائبة عن الإعلام إلا ما يخرج عنها بين فينة وأخرى في أخبار ترد عبر القنوات الإعلامية الرسمية لمؤسسة الجيش العربي الأردني. تلك الأخبار لم تكن تتعدى في "أشدها" معلومات عن الاشتباك مع عصابات المخدرات، فالخبر طالما كان يقول إن الجيش طبق قواعد الاشتباك العسكري مع تلك العصابات بعد رفضها الانصياع لأوامر التراجع عن الحدود الرسمية الأردنية، وفي الأخبار أيضاً كانت ترد صور، أحياناً، لمُسَيّرات استخدمتها تلك العصابات لتهريب المخدرات.
تلك الأخبار لعلها كانت طبيعية للرأي العام الأردني بشكل عام، فالحدود من الطرف السوري، باتت تتصف بالانفلات إثر ما يجري في الجارة الشقيقة منذ أعوام خلت، ولأنها حدود طويلة، فقد تمكنت بعض الميليشيات والعصابات المسلحة من السيطرة عليها مع تراجع قدرات الجيش السوري إثر تعامله مع أحداث كبيرة، ولأجل ذلك فقد استغلتها تلك العصابات للتهريب ليس بقصد إلا بقصد التجارة والربح المادي.
أما الخبر غير العادي، والذي لفت أنظار الشعب الأردني لتلك المنطقة، ولمس شدة سخونتها، فكان مفاده أن الجيش خاض معركة حقيقية مع ميليشيات مسلحة وليست فقط مجرد عصابات، وكانت الصور التي بثتها القنوات الإعلامية العسكرية الرسمية، تكشف عن أسلحة ثقيلة كانت تتسلح بها الميليشيات، فالهدف إذن تعدى تهريب المخدرات الى حد العبث بالأمن الوطني الأردني، بل ولربما الدخول في حرب حقيقية مع الجيش العربي، فتلك صواريخ وقنابل وقطع أسلحة لا تملكها إلا الجيوش، وتمكن الجيش الأردني من السيطرة عليها بعد الدخول في اشتباك امتد لأيام، كما قتل وأسر عدداً لا يستهان به من تلك الميليشيات.
وفي قراءة سريعة للمشهد، فإن الأذهان قفزت بشكل مباشر الى محاولة دول وأنظمة بعينها استغلال الحرب الدامية في غزة لإحداث تلك الفوضى في الأردن بعد أن عجزت عن "تهريبها" إلى الأراضي الأردنية في خضم ما عُرِفَ بالربيع العربي، فكثيرون يرون أن صمود جبهة الأردن وعدم دخولها في حالة الغليان ومن ثم الانهيار كما جرى في دول جوار منذ العام 2011، لم يعد بـ "الهدوء" المقبول، ولربما أن تسويق فكرة مناصرة أهل غزة عبر تهريب الأسلحة عن طريق الأردن، لربما، تؤتي ثمارها مع وجود أرض خصبة لدى الشارع الأردني الذي ما لبث ينتفض نصرة لأهل غزة، لكن تلك مراهنات فشلت ولا شك منذ سنوات، وليس بالممكن أن تنجح الآن مع حالة الوعي في الشارع الأردني، وإدراكه بأن هناك مؤامرة كبيرة تدور إن كان من الشمال أو من الغرب، أي "جبهة الاحتلال" الذي لم يعد يخفي نوايا التهجير لأهل فلسطين سواء الى الأردن أو إلى مصر من أجل إفراغ البلاد من أهلها وتهويدها وقتل حلم الدولة الفلسطينية بعد إنهاء كل اتفاقيات السلام.
الحال ذاته لا يختلف أبداً عن ما يدور على الحدود الشرقية مع العراق الشقيق، فقصة نصرة غزة هي ذات "اللعبة" التي تحاول ميشليات هناك استغلالها من أجل ضرب الأمن الوطني الأردني، ومن ذات الباب، أي من باب المزاودة في المواقف السياسية تجاه فلسطين وغزة، وهي ذات المحاولات التي قوبلت بذات الوعي الأردني شعبياً، وبذات الشجاعة العسكرية الأردنية، ميدانياً، ولعل حادثة منع وصول شحنات النفط العراقي إلى الأردن من قبل ميليشيات مسلحة قبل فترة، وتدخل سياسيين عراقيين لحل الإشكال، ما زالت في البال.
في المحصلة، فإن الأردن، ومنذ السابع من أكتوبر، لم يهدأ، ولعله في حالة طوارئ غير معلنة ليس فقط على الحدين الشمالي والشرقي، بل على الحد الغربي أيضاً، فما يطبخ في دولة الاحتلال، ولدى بعض الأنظمة المحيطة، ليس بالشيء المطمئن أبداً، وفي الأثناء، فإن الحالة الأردنية تتصف بالاتقاد الكبير للتصدي لكل تلك المؤامرات التي تحاك في الغرف السوداء، كما أن الأردن ليس دولة كرتونية حتى يهتز، ويعي دائماً ما يجري، ولربما انه يتعامل مع أكثر من ذلك الخطر في السر أكثر منه في العلن، ويبدو أن الإعلان "الرسمي" صراحة عن كل ذلك، لم يحن وقته بعد.