لا شك أن كل مواطن فلسطيني، وكل مواطن عربي، وكل إنسان لديه حسّ إنساني يتساءَل بينه وبين نفسه: متى تتوقف هذه الحرب الهمجية التي تشنُّها إسرائيل على قطاع غزة؟ متى تتوقف هذه المجازر التي نُطالعها على الشاشات كل يوم ويتم فيها تجاوز لكل القوانين الدولية، والقوانين الدولية الإنسانية، واتفاقيات جنيف الرابعة وغيرها؟ متى تتوقف إزاحة الملاين من السكان من أماكن سكناهم وقذفهم من منطقة إلى منطقة مع معاناتهم من الجوع والعطش وآلام فقد الأعزاء؟ متى تتوقف هذه "الإبادة الجماعية" التي تتم أمام نظر العالم وهو منقسم بين دول "موافقة" مع إسرائيل بل ومشجّعة لها، وبين دول أخرى قد لا تكون موافقة لكنّها عاجزة لا تستطيع في ضوء معادلات القوى فعل أيّ شيء؟
إنّ هنالك في الواقع عدة أسباب تحُول دون وقف هذه الحرب ولعلّ أهمها:
أولاً: أسباب متعلقة بإسرائيل حيث إنّ أيّ وقف لإطلاق النار سوف يؤدي حكماً إلى انهيار حكومتها اليمينية الائتلافية التي يهدّد أقطاب اليمين فيها كل يوم بالاستقالة إذا لم تمض إسرائيل في الحرب حتى النهاية، ومن الواضح أن وقف الحرب سوف يترتب عليه إجراء تحقيقات بشأن التقصير الذي حصل في "السابع من أكتوبر"، الأمر الذي قد يعني إدانة لبعض المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين بما في ذلك رئيس الوزراء نتنياهو والذي قد يُحاسب في هذا الموضوع، فضلاً عمّا يُتوقّع من استمرار محاكمته في الموضوعات التي ينظُر فيها القضاء الإسرائيلي والمتعلقة باتهامه بالغش وسوء الأمانة وغير ذلك.
ثانياً: أسباب متعلقة بالمقاومة الفلسطينية التي تعتقد أن "هُدناً" جديدة سوف تمكّن إسرائيل من استرجاع أسراها مع استبقاء فرصتها في معاودة الهجوم المدمّر على قطاع غزة بكل ما يعنيه ذلك من مضاعفة معاناة الشعب الفلسطيني في غزّة، والسماح لها بمحاولة القضاء على المقاومة بشكل كامل، وإذا أضفنا إلى ذلك أن استمرار الحرب -حتى مع الموافقة على هُدن معينة- يعني أن اليوم التالي لانتهاء الحرب سوف يتضمن تَبني ترتيبات مُعيّنة يتم فيها استبعاد المقاومة (وبالذات حماس طبعاً) من حكم القطاع، أو تهميشها على الأقل حتى لو تم ضمُها إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي من المتوقع أن يكون لها دور (ضمن صيغة معينة ومن خلال السلطة الوطنية الفلسطينية) في حكم القطاع. إنّ وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب هو الفرصة الوحيدة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية من أجل البقاء السياسي أمّا ما دون ذلك فهو تقدم نحو المجهول في الواقع.
ثالثاً: أسباب متعلقة بالولايات المتحدة حيث ترى أمريكا أن ما تسميه "إزالة خطر حماس"، وعدم تمكّينها من معاودة الهجوم على إسرائيل هو خط أحمر، وبالتالي فإنها قد توافق على "هُدن إنسانية" وقد توافق على زيادة المساعدات إلى السكان المنكوبين ولكنها بالقطع لن توافق على أقل من هزيمة بمستوى مُعين للمقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس قد تسمح باستمرارها سياسياً وايديولوجياً ولكنها لا تسمح لها بالاستمرار كقوّة عسكرية تؤذي إسرائيل. إنّ الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لإسرائيل (بما تقدمه لها من دعم عسكري ومالي وغطاء سياسي) وهي القوة الوحيدة في العالم التي تستطيع أن تُوعز إلى إسرائيل بالتوقف أو تعديل السياسات أو العمليات المتعلقة بالحرب ولذا فإنّ موقفها يُعدّ حاسماً في هذا الموضوع.
رابعاً: العجز العربي ففي حين أن الشعوب العربية تتألم لما يحدث في غزة من مذابح موصوفة فإنّ الأنظمة الرسمية العربية لا تتخذ أية مواقف مهمة ومؤثرة (كوقف التطبيع، أو إعادة النظر في الاتفاقيات الموقّعة مع إسرائيل، أو عدم تزويد إسرائيل بالطاقة، أو سحب الأرصدة من البنوك الغربية ...) في مجريات الصراع، والواقع المحزن هو أن الضعف العربي لم يتكشّف تاريخياً كما هو الآن، فلا الجامعة العربية - وهي المظلة الرئيسية للعمل العربي - قادرة على فعل شيء، ولا الدول العربية الكبيرة الوازنة راغبة أو قادرة على المناورة واستخدام أوراقها المُهمّة بقصد إبراز دور عربي مؤثّر يقول لإسرائيل كفى!
والخلاصة هي أن لا وقف لإطلاق النار، وإيقاف هذه الحرب المسعورة على قطاع غزة إلا بحدوث متغيرات مهمة تتعلق بالوضع الإسرائيلي، أو الأمريكي وبدرجة أقل بالوضع العربي، أما المقاومة الفلسطينية فهي مستندة إلى الحائط وليس لديها ما تقدّمه إلا الصمود وحتى النهاية.