مدار الساعة - محمود كريشان - انها إذاعة المملكة الاردنية الهاشمية "هنا عمان" التي أطلقت صوت الاردن عبر الأثير عام 1959م، ناقلاً صوت جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، معلناً انطلاقة الاذاعة الوطنية الاردنية.
حمل أثير الإذاعة الأردنية الكبرى أحلام المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه وآماله ببناء أردن مزدهر متقدم، وشكل هزاع المجالي ووصفي التل وصلاح أبو زيد ثلاثيا لا مثيل له في التفاني في العمل لإعلاء صرح الإذاعة الأردنية.
*فارس الإذاعة
بدأت الإذاعة إرسالها بإسم "هنا عمان" إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية في 1 اذار عام 1959 بصوت صلاح أبو زيد من موقع الاستوديوهات الحالية في منطقة أم الحيران، ومحطة إرسال عمان الواقعة على طريق عمان - ناعور ومنذ ذلك الحين أخذت الإذاعة الأردنية تتطور وتتسع إمكاناتها لكي تتناسب وهدفها الرئيس ممثلاً بإيصال صوت الأردن واضحاً وقوياً إلى جميع أنحاء العالم.
صلاح ابوزيد فور عودته من امريكا بعد ان اكمل دراسة علم الاتصالات تم تعيينه في الإذاعة الاردنية عام 1959 وعبر أثير الإذاعة الأردنية عرض الأغنية الأردنية وقدم الفلكلور الأردني عندما اكتشف العناصر الأساسية للأصالة الأردنية أمثال رشيد زيد الكيلاني وعبده موسى وإسحاق المشيني واستقطب أصواتا عربية غنت الفلكلور الأردني الأصيل.
وساهم صلاح أبو زيد في تأسيس «مشرع الإذاعة الأردنية الكبرى» والتي قام جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال بافتتاحها في الأول من آذار م1959 وقد أقيم احتفال كبير بهذه المناسبة شارك فيه كبار الفنانين اللبنانيين أمثال الأخوين رحباني.
*رحلتي مع المايكروفون
يذكر الأستاذ محمود توفيق الشاهد في كتابه (رحلتي مع المايكروفون) أن (عصمت النشاشيبي حَمَل مع من حَمَل من الجنود الأردنيين وموظفي الإذاعة وأهل القدس على ظهورهم أجهزة الإذاعة من مقرها في حي الطالبية في القدس إلى مدينة رام الله بعد أن تم احتلال مباني الإذاعة في القدس، حملت الأجهزة إلى رام الله والى مكان الإرسال في رام الله لينطلق صوت القدس من هناك بإشراف أردني.
وواصل الأردن بث الإذاعة من رام الله وسماها في البداية « إذاعة القدس العربية» والتي كانت تعرف أيضا بـ « راديو رام الله « أيضاً ثم عرفت باسم إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية منذ وحدة الضفتين عام 1950 واستمرت إذاعة أردنية هاشمية إلى حزيران عام 1967 عندما احتلت الضفة الغربية بما فيها القدس.
وأقام الأردن أول إذاعة في العاصمة عمان عام 1956 حيث أنشئت محطة إذاعة عمان في جبل الحسين، افتتحها جلالة المغفور له الملك الحسين رسميا، إذ قال جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في الكلمة التي افتتح بها الإذاعة الأردنية : «إن الأردن اليوم وهو يصغي إلى صوته الحي المنافح عن حياض العروبة والإسلام يحمل في ثناياه صور المجد وتشع من أعماقه هالات القداسة وأنوار الهداية إنما يجد نفسه قادرا على إنارة الطريق أمام السارين وإضاءة السبيل أمام السالكين وسبيله هو سبيل الرحمن ودعوته الخيرة وحدة وتراحم وإخاء».
وفي الثالث والعشرين من آب 1959 تم افتتاح الاستوديوهات الجديدة لإذاعة المملكة الأردنية الهاشمية في القدس.
*في سينما بسمان
ويقول الأستاذ محمود الشاهد : تلا الخطاب الملكي حفلة منوعات كبرى أقيمت في سينما بسمان في عمان أحياها فريق من المطربين والمطربات الأردنيين والعرب، واذكر في هذا السياق أغنية فيروز المشهورة والتي رمزت (ولو من غير قصد) إلى التهنئة بهذا الصوت العربي (قل لي حلو مبروك هالفستان)، وغردت المطربة السورية الكبيرة سعاد محمد، وبدأ نجم المطربة (سميرة توفيق) في الصعود منذ تلك الليلة. كل ذلك تمّ وبربط شيق وأنيق من الأستاذ صلاح أبو زيد الذي ربط المستمع بالحدث السعيد وبدت فيه الإذاعة الأردنية الهاشمية عملاقة منذ افتتاحها، وانتهى الافتتاح في الساعات الأولى من صبيحة اليوم الأول من آذار عام 1959.
*حديقة الاذاعة
ويصف محمود توفيق الشاهد افتتاح الإذاعة الكبرى في أم الحيران في 1/3/1959 : « اختير موقع أم الحيران في الناحية الجنوبية من مدينة عمان، وبالقرب من محطة سكة حديد أم الحيران ومتجاوزاً لها بقليل مقراً لإذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، ويبعد هذا الموقع عن قلب مدينة عمان بحوالي عشرة كيلومترات، وكان موقعاً نائياً على مقاييس ذلك الزمان في عام 1959، وخالياً من البناء إلا من بعض بيوت طينية قليلة متناثرة، وتجاور قريتي المقابلين وأم قصير، واستملكت لهذه الغاية قطعة ارض كبيرة لم ندرك حكمتها وقيمتها في الموقع والاتساع إلا بعد أن انزرعت فيها قلاع الإعلام الضخمة من استوديوهات الإذاعة والتلفزيون وشركات الإنتاج إلى جانب غابة وارفة الظلال من أشجار الصنوبر، ويرجع الفضل فيها إلى الرواد الأوائل مثل السادة مع حفظ الألقاب عبد المنعم الرفاعي ووصفي التل وصلاح أبو زيد الذين اشرفوا على نشوئها وغرس أشجارها شجرة شجرة ولبنة لبنة وكأنهم استشرفوا المستقبل ورأوا فيه كيف أصبحت منطقة أم الحيران وما تلاها من أماكن تعج بالحركة وتضج بالسيارات وتئن من وطأة المحلات التجارية والمناطق الصناعية ودخانها وضبابها.
وكان لا بد لنا من الانتقال إلى الإذاعة الكبرى في عمان لان إذاعة القدس (رد الله غربتها) أصبحت إذاعة فرعية، ولتأخذ الكوادر المدربة فيها مواقعها من الإذاعة الكبرى، وتسلمنا كتب النقل قبل حوالي شهرين من الافتتاح الذي تقرر في اليوم الأول من شهر آذار في عام 1959.
ويضيف محمود الشاهد : "انتقلنا إلى عمان، مجموعة من المذيعين ومحرري الأخبار والفنيين المدربين، لتشغيل الاستوديوهات ومحطات الإرسال، ولبعد الإذاعة عن وسط العاصمة خصصت إدارة الإذاعة آنئذ مجموعة من الباصات تحمل الجميع من موقف قبالة البريد الآلي إلى دار الإذاعة في أم الحيران".
*مذيعون تألقوا
مذيعون تألقوا وتأنقوا بأصواتهم الشجية كما يقول الزميل بسام العوران وقد عرفهم جمهور المستمعين آنذاك ومنهم: حيدر محمود وابراهيم الذهبي وابراهيم شاهزادة وعبدالقادر الكردي وطارق مصاروه وعلي أسعد وسامي حداد وجبر حجات وعدنان الزعبي وكوثر النشاشيبي وسوسن تفاحة وجمانة مجلي وفريال زمخشري وعائشة التيجاني وزهور الصعوب وسمراء عبدالمجيد.
*قلبي يهواها
الاذاعة الاردنية لها الفضل في انتشار الاغنية الاردنية عبر أصوات عربية وأردنية خاصة في السبعينيات من القرن الماضي. ولاننسى توفيق النمري بأغانيه (قلبي يهواها) و(حسنك يازين) و( أسمر خفيف الروح) وأغاني عديدة بصوت سميرة توفيق ( بالله تصبوا هالقهوة). وكذلك بصوت والحان جميل العاص وعزفه على البزق، وغنى وديع الصافي (قلبي يهواها) وايضا هيام يونس ونجاة الصغيرة ونصري شمس الدين وهدى سلطان وسعاد هاشم وكروان. وأبدع المطربون الاردنيون وهم: عبده موسى واسماعيل خضر وسلوى العاص وفؤاد حجازي ومحمد وهيب وسهام الصفدي وفؤاد ركان ومالك ماضي. كذلك الموسيقيون روحي شاهين واميل حداد وسمير بغدادي ومنيب ماضي وغيرهم.
اما البرنامج الشهير آنذاك (مضافة ابومحمود) فكان يذاع مساء واشترك فيه اسحق المشيني ومازن القبج، ولاننسى برنامج (مع المزارع) البرنامج الصباحي الأشهر انذاك الذي كان يقدمه مازن القبج.
وساهم الشعراء في نهضة الاذاعة ومنهم «عاشق الأردن» الشاعر الأردني الكبير سليمان المشيني، أحد المساهمين في تأسيس الإذاعة الأردنية، وابراهيم المبيضين وتيسير السبول وعبدالمنعم الرفاعي ورشيد زيد الكيلاني وخالد محادين.
عموما.. تمضي الإذاعة الأردنية بالمزيد من الإزدهار والتألق وهي تحلق في الفضاء بأجنحة قوية وصوت نقي عذب، حافل بالمهنية والإبداع هذه الأيام، ليستمر صوت الأردن على عهده.. قويا، أبيا.. برسالة هاشمية سامية.