وافق مجلس الوزراء أول أمس الثلاثاء، بناءً على تنسيب وزير المالية الدكتور عزالدين كناكرية على تعيين السيد جمال الصرايرة نائب رئيس الوزراء السابق رئيسا لمجلس ادارة البوتاس. هذا الأمر لم يكن غريباً، فقد جاء الصرايرة نائبا لرئيس الحكومة السابق، لكي يسهم في معالجة ازمة الحكومة آنذاك، ويطفىء نيران الشارع التي تحولت لكتلة غضب أدت إلى إقالة الحكومة التي عاد منها قسم كبير من وزرائها مع حكومة الدكتور عمر الرزاز.
كثيرون حين قبل الصرايرة بالعودة للحكومة التي كان يعرف أنها مثقلة بالملفات، تساءلوا عن سر قبوله بالعمل العام الحكومي في حكومة كانت محكومة المصائر، بيدّ أنه تصرف حينها كرجل دولة، ووافق وعمل بجدٍ خلال فترته القصيرة على توظيف قاعدته الكبيرة من العلاقات الاجتماعية، لتمكين الحكومة من الاستمرار، وكان في ذلك الحال منسجما مع نفسه كثيرا.
لعب الصرايرة دورا مهما في إطالة امد حكومة الدكتور الملقي، التي خانها الحدس وتقدير غضب الناس فرحلت مبكرا، لكن الصرايرة الذي خرج متفهما ضغط الشارع، لم تحوله إقالة الحكومة التي كان فيها ولو لمدة قصيرة إلى ناقد ساخط يتحدث بأسرار الأشهر القليلة التي قضاها عبر الفيسبوك ويتعجب على الفضائيات كيف تسير البلد، كما انه امتنع عن الإعلام والظهور في البرامج برغم الملاحقات التي كانت تتابعه وتلاحقه من قبل صحفيين وكتاب وإعلاميين يريدون صيدا ثمينا من خلال الصرايرة الذي تمنّع عن الظهور ورفض، لكونه كان جزءاً من مطبخ حكومي لم ينقضِ عليه فترة طويلة، فكانت الأخلاق أقوى من غواية الإعلام. كما أنه ليس من هواة السوشيال ميديا، ولا يسعى لشراء اللايكات والمشاركات.
بعد أن عين رئيس مجلس إدارة مؤقتا لشركة البوتاس، بدأت حملة داخل شركة البوتاس وعبر أقلام واصوات مختلفة تتحدث عن فساد مزعوم عن فترة رئاسة الصرايرة للبوتاس، كان الأمر واضحا بأنه مدبّر، فالناس في الجنوب وفي الشمال لم يعرفوا المسؤولية الاجتماعية للبوتاس فعليا إلا على دور جمال الصرايرة، الذي يقر بأنه صرف الكثير لتنمية المجتمعات المحلية.
لم تحدث مقارابات كثير ورهانات على عودة الصرايرة أو عدمها، كان الأمر سهلا عند الحكم والحكومة الحالية بأن الصرايرة مارس دوره الوطني، بدون ادعاء وبلاغات وكلام كبير في الإصلاح والسياسة، فقد جاء في زمن حكومي صعب وتخلى عن كل امتيازاته السابقة، ومارس الصمت الجميل مقرونا بالرضى والحكمة، وحين كان هناك فرصة لرد الاعتبار بالعودة للموقع الذي نجح وعمل فيه، وحاز ثقة الناس وشكرهم، كانت العودة بلا ضغوط الشركاء الأجانب ولا المنظمات الدولية ولا البنك الدولي، بل بالقرار الوطني وحكمة الدولة التي تقدر رجالها.
صحيح أنه خسر كثيرا حين ترك رئاسة مجلس البوتاس، لكنه ربح تجربة كبيرة في الحكومة واطل على مطبخها بعد أن تركها وزيرا منذ أواسط التسعينات، فرأى التغيرات الكبيرة والثغرات، ولاحظ المشهد عن قرب، وتصرف في حادثة الصوامع بتقدير كبير للناس البسطاء، فظل على سجاياه وطيبته، وحين خرج كان قادرا على الحديث، لكنه حتى إبان عمله نائب رئيس حكومة عمل بمسؤولية كبيرة ولم يستثمر الأيام الأخيرة للحكومة ومرض رئيسها، بقرارات متسرعة أو جهوية، بل كان من صنع يدية قرار إعادة انصاف الوطن بإلغاء قرار سابق للحكومة التي هو فيها في ملف يتعلق بأعمال مستثمر في مشروع سكن كريم، كان قد نجح بالحصول سابقا على قرار يخلي مسؤوليته.
الدستور