لا شك أن مسألة الاعتماد على الذات وتزايد عواملها في خطط الدول المالية مسألة في غاية الأهمية لمعرفة كيفية سير اقتصادها بالشكل الصحيح أو لا، وتعطي دلالات مهمة على مدى سير اقتصادات تلك الدول في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بعوامل وموارد ذاتية لأبعد حد.
والحقيقة أنه لا توجد دول تعتمد كليا على نفسها بشكل كامل؛ فالأمر نسبي من دولة إلى أخرى.
في الأردن، الأمر يختلف من عام إلى آخر، لكن السمة الأبرز هي أن المملكة تعتمد اعتمادا رئيسيا في موازنتها على المساعدات الخارجية وإن كانت تتغير من عام لآخر.
لكن ما يزال الأردن يحظى بمساحات مالية كبيرة لدى المانحين ومؤسسات التمويل الدولية، وله قدرة كبيرة على اللجوء لأسواق المال العالمية والاقتراض بأشكال مختلفة، وهذا نتيجة أسباب اقتصادية وسياسية مجتمعة معا.
صحيح أن حجم المنح الخارجية في مشروع موازنة العام المقبل يبلغ 724 مليون دينار، أو ما نسبته 5.8 % من الحجم الكلي للموازنة المركزية، إلا أن هناك بعض المؤشرات الإيجابية التي تدل على زيادة مبدأ الاعتماد على الذات في الشأن المالي، ظهر ذلك في عدد من بنود الموازنة العامة، وأهمها الإيرادات الضريبية التي تنمو بشكل مطرد من عام لآخر.
آخر تطورات المشهد في الإيرادات المحلية هو ارتفاع قدرتها في التغطية للنفقات الجارية وبلوغها نسبة تتجاوز الـ90 %، وهي من أعلى النسب التي تحققت في السنوات العشر الأخيرة والتي وصلت في بعض الفترات لمستويات متدنية للغاية، إذ لم تتعد في بعض السنين الـ65 %، وهي نسبة قليلة تدل بشكل أو بآخر على وجود خلل مالي واضح في الموازنات حينها، وتؤكد على مدى حجم الاعتماد على الخارج وتحديدا المساعدات في تلبية نفقات الدولة المختلفة.
زيادة الاعتماد على الذات في مالية الخزينة يعتمد اعتمادًا كليًا على مسألة الإصلاح الضريبي التي جُري تنفيذها في بداية عام 2019 وحققت نتائج مالية مبهرة في فترة قصيرة، حيث كانت مثالا حيا للإصلاح الاقتصادي الذي تحقق على أرض الواقع، بفضل الإدارة الضريبية الرشيدة التي توفرت لتنفيذ القانون الضريبي الجديد، والتي استطاعت بفعالية ونجاعة عالية مواجهة التهرب والتجنب الضريبي بأشكاله المختلفة، وتوسيع قاعدة الشمول الضريبي بشكل تدريجي وسلس.
وتطبيق أفضل معايير النزاهة والإدارة في الملف الضريبي مدعوما بتعزيز مفاهيم سيادة القانون وتطبيقها على أرض الواقع، الأمر الذي جعل صندوق النقد الدولي يعتبر خطوات الإصلاح الضريبي التي تحققت في الأردن نموذجا يُحتذى به في دول المنطقة.
وكما قلنا سابقا، هناك تطور مهم في تيراتر للدولة الضريبية، حيث من المتوقع أن تنمو الإيرادات الضريبية بحوالي 673 مليون دينار، أو بنسبة 10.2 %، في مشروع قانون موازنة الدولة للسنة المقبلة.
إذ إن هذا النمو يعكس، من جهة، التطور في الناتج المحلي الإجمالي ومن جهة أخرى، يعكس تأثير إجراءات مكافحة التهرب الضريبي وتحسين الإدارة الضريبية، وتطبيق الممارسات الدولية في التدقيق والتفتيش الضريبي، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتعزيز الالتزام الطوعي للمكلفين.
كما يشمل هذا التوقع تطبيق نظام الفوترة والإصلاحات الضريبية في العقبة وتطبيق قانون الأسعار التحويلية.
لكن في النهاية، التحدي الأكبر يكمن في عمليات ضبط الإنفاق العام وليس فقط في تحصيل الإيرادات، فمعالجة النفقات وتوجيهها بالشكل الصحيح هو الضمانة الأساسية والفاعلية في عتبات الصلح المالي وزيادة الاعتماد على الذات.