انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة شهادة جاهات واعراس الموقف مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الخرشة يكتب: الأحزاب الجديدة في الأردن.. هل هي مجرد كيانات سياسية تقليدية


ايوب الخرشة

الخرشة يكتب: الأحزاب الجديدة في الأردن.. هل هي مجرد كيانات سياسية تقليدية

مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/25 الساعة 19:26
مع انتهاء فترة تصويب الأوضاع في منتصف مايو 2023، كان الأردن على موعد مع بداية عهد جديد في العملية السياسية. الأحزاب التي نشأت في هذا الزمن الجديد لم تكن مجرد كيانات سياسية تقليدية؛ بل كانت تجسيدًا لرؤية ملكية عميقة تهدف إلى تمكين هذه الكيانات من لعب دور أساسي في تحديد مستقبل الحكم في المملكة.
هذه الرؤية، التي بدأت تتضح ملامحها شيئًا فشيئًا، كانت تعكس حلمًا بتحقيق ديمقراطية نابضة بالحياة وقادرة على استيعاب تطلعات جميع شرائح المجتمع.
كان التحدي الأكبر يكمن في تحقيق التوازن بين الحفاظ على الثوابت الوطنية الأردنية والسعي نحو تحديث النظام السياسي. وهنا تأتي أهمية الأحزاب الجديدة، التي بدأت تأخذ على عاتقها مسؤولية كبيرة ليس فقط في تمثيل الشعب ولكن في تشكيل وعيه السياسي. ولعل أبرز الأمثلة على هذا الدور هو ما يتعلق بالشباب، هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع التي ظلت لوقت طويل بعيدة عن مركز القرار السياسي.
الشباب الأردني، الذي يمثل أكثر من نصف المجتمع، واجه عوائق عدة في الانخراط بالحياة الحزبية. البطالة، إرث الأحكام العرفية، وغياب المؤسسية في الأحزاب السابقة، كلها كانت تشكل حواجز أمام تفاعل الشباب مع العملية السياسية. لكن مع الأحزاب البرامجية الوطنية الإصلاحية الجديدة، بدأت تتشكل فرص جديدة لتغيير هذا الواقع.
هذه الأحزاب، التي تبنت نهجًا يقوم على توعية الشباب بأهمية دورهم في العمل الحزبي، كانت تسعى لزيادة نسبة مشاركتهم السياسية. الهدف لم يكن فقط تحقيق حضور أكبر للشباب في الأحزاب، بل أيضًا تمكينهم من الدفاع عن قضاياهم المتنوعة والمساهمة بفاعلية في تطوير المجتمع والحفاظ على هويتهم الأردنية.
وتتجلى أهمية هذه الخطوة في كونها ليست مجرد تغيير شكلي في الهيكل السياسي، بل هي إعادة تعريف لدور الشباب كعنصر فاعل وأساسي في صناعة القرار. الأحزاب الجديدة، ببرامجها الإصلاحية ورؤيتها المتجددة، فتحت المجال للشباب ليكونوا جزءًا من عملية البناء الديمقراطي، ليس فقط كمشاركين بل كقادة وصناع تغيير.
في هذا السياق، كان للتوعية السياسية والبرامج التعليمية دور محوري في تشكيل وعي الشباب السياسي. فالأحزاب لم تقتصر على دعوة الشباب للانضمام إليها، بل سعت أيضًا لتزويدهم بالأدوات اللازمة لفهم العملية السياسية والمشاركة فيها بشكل فعّال. ومن خلال هذه المبادرات، بدأ الشباب الأردني يدرك أهمية دوره في تحديد مستقبل بلده، وبدأ يظهر تحول في نظرتهم للمشاركة السياسية من كونها مجرد واجب إلى فرصة للتأثير والتغيير.
الأحزاب الجديدة، بجهودها هذه، لعبت دورًا رئيسيًا في تحويل المشهد السياسي الأردني. ومع تزايد انخراط الشباب في العملية السياسية، بدأ يتشكل جيل جديد من القادة السياسيين الذين يحملون في طيات أفكارهم وطموحاتهم بذور التغيير الحقيقي. هذا الجيل، الذي نشأ في ظل تحديات جمة ومعطيات سياسية معقدة، أظهر قدرة فائقة على التكيف والابتكار في سبيل تحقيق مجتمع أكثر تقدمًا وعدالة.
مع تطور الأحزاب وتعمق دورها في المجتمع، بدأت تظهر أيضًا تحديات جديدة تتطلب منها التطور المستمر والتجدد. كانت هناك حاجة لتحقيق التوازن بين الحفاظ على القيم والمبادئ الأردنية الأساسية والانفتاح على الأفكار الجديدة والمبادرات الإصلاحية. وفي هذا السياق، كان للتعاون بين الأحزاب دور هام في تعزيز الحوار والتفاهم السياسي، مما ساهم في خلق بيئة سياسية أكثر نضجًا واستقرارًا.
بالنظر إلى المستقبل، يظل السؤال قائمًا: هل هذا هو التغيير المنشود الذي كان يحلم به جلالة الملك والشعب الأردني؟ لقد كانت الرؤية الملكية واضحة في تحقيق تحول ديمقراطي يعتمد على مشاركة فاعلة من جميع شرائح المجتمع، وخاصة الشباب. ومع ظهور الأحزاب الجديدة وتبنيها لهذه الرؤية، بدأت ملامح التغيير تتضح بشكل جلي. الأحزاب الناشئة، بتركيزها على البرامج الإصلاحية وإشراك الشباب، قدمت نموذجًا جديدًا للعمل السياسي يتجاوز الأساليب التقليدية وينظر إلى المستقبل بعيون مفتوحة على العالم.
ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير ليُعمل من أجل تحقيق الأهداف الطموحة لهذه الرؤية. فالمشاركة السياسية للشباب، بالرغم من تحسنها، لا تزال دون المستوى المطلوب. وتظل هناك تحديات تتعلق بالبطالة والحاجة إلى تطوير التعليم والتدريب السياسي، والتي تشكل عقبات أمام إشراك الشباب بشكل أكثر فعالية في الحياة السياسية.
لعل أحد الجوانب الأكثر أهمية في هذه العملية هو الحاجة إلى تعزيز الثقة بين الشباب والأحزاب السياسية. يجب على الأحزاب أن تظهر بأنها لا تسعى فقط لاستقطاب الشباب كأعضاء، بل كشركاء حقيقيين في صنع القرار وتشكيل مستقبل البلاد. وهذا يتطلب تحولًا في النظرة إلى السياسة كعملية تشاركية تعتمد على الحوار والاحترام المتبادل.
وفي الختام، يمكن القول بأن الطريق ما زال طويلًا نحو تحقيق الديمقراطية المنشودة في الأردن. لكن مع الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن، ومع العزم والتفاني من جانب الأحزاب والشباب، يبقى هناك أمل كبير في تحقيق تغيير إيجابي يعود بالنفع على البلاد وشعبها. الأردن، بتاريخه العريق وثقافته الغنية، يملك كل الإمكانيات ليكون نموذجًا للتقدم والازدهار في المنطقة، والشباب هم مفتاح هذا المستقبل المشرق.
ومن هنا، يبرز دور الأحزاب البرامجية الوطنية في تعزيز هذا المسار. إذ تتحمل هذه الأحزاب مسؤولية كبيرة في تنوير الشباب وتوجيههم نحو مشاركة سياسية فعّالة. لا يقتصر هذا الدور على تشجيع الشباب على الانضمام لصفوفها، بل يمتد ليشمل توفير منصات تعليمية وتدريبية تمكنهم من فهم أعمق للعملية السياسية وأدوارهم المحتملة فيها. يجب على هذه الأحزاب أن تعمل على بناء جسور الثقة مع الشباب، مبينة لهم أن صوتهم مهم وأن مشاركتهم السياسية يمكن أن تحدث فرقًا حقيقيًا في مستقبل البلاد.
علاوة على ذلك، تحتاج الأحزاب إلى توسيع نطاق تواصلها ليشمل جميع طبقات المجتمع، وليس الشباب فقط. هذا يعني العمل على تعزيز الوعي السياسي بين كافة المواطنين، مع التركيز على الشمولية واحترام التنوع الثقافي والاجتماعي داخل الأردن. يجب أن تكون الأحزاب قادرة على تمثيل مختلف الآراء والمصالح، وأن تكون مستعدة للتفاوض والتعاون لتحقيق الأهداف المشتركة.
في الوقت نفسه، يجب ألا نغفل دور الحكومة والمؤسسات الوطنية في دعم هذه التحولات. الدعم المؤسسي للأحزاب السياسية وتشجيع الشفافية والمساءلة في العمل الحكومي، يمكن أن يساهم بشكل كبير في تعزيز الثقة في النظام السياسي وتشجيع مزيد من المشاركة الشعبية.
أخيرًا، يبقى الأمل قائمًا في أن يؤدي هذا التطور السياسي إلى نهضة شاملة في المملكة الأردنية الهاشمية. تهدف هذه الجهود إلى بناء مجتمع أكثر ديمقراطية وشمولاً، يعكس تطلعات جميع مواطنيه، بغض النظر عن أعمارهم أو خلفياتهم. إن الطريق إلى هذا الهدف قد يكون مليئًا بالتحديات، لكن بالتعاون والعزيمة، يمكن للأردن أن يتبوأ مكانته كرائد في الديمقراطية والتنمية في المنطقة.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/25 الساعة 19:26