مدار الساعة - وعد ربابعة وعائشة عناني - دعا خبراء بالشأن الاقتصادي، إلى البناء على المنجزات الإيجابية التي حققتها العديد من مؤشرات الاقتصاد الوطني خلال 2023، والتي أظهرت أرقامها تحسناً ملحوظا، بالرغم من استمرار بعض الصعوبات.
وشددوا على ضرورة الاستمرار بدعم الأداء الإيجابي الذي حققه الاقتصاد الوطني على مدى أشهر طويلة مضت من عام 2023، عبر اعتماد خطط طوارئ مرنة، تواكب أية متغيرات قد تطرأ جراء ظروف استثنائية خارجية، ولا سيما تبعات العدوان الاسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة.
وأكدوا، ضرورة معالجة ملفات التحديات الرئيسية وبخاصة الطاقة والمياه، وتنفيذ المشروعات المتصلة بهما، وتشجيع وتوسيع حصة المنتجات المصنعة بالمملكة بالسوق المحلية، ودعم الصادرات، واستقطاب المزيد من الاستثمارات، وتنفيذ مشروعات رؤية التحديث الاقتصادي.
وقال نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور جواد العناني، إن الاقتصاد الوطني خلال عام 2023 بدأ يتعافى من المؤثرات الخارجية التي أثرت عليه بشكل سلبي، مبيناً أن المملكة واجهت بالسنوات الأخيرة العديد من التحديات والضغوطات؛ منها جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وعندما بدأت تأثيرات هذه الضغوطات تتلاشى أصبح لدى الأردن استجابة أعلى مع النمو الاقتصادي.
وأضاف العناني، أن هذا التحسن جاء نتيجة لعمل الحكومة الذي أصبح أكثر وضوحًا وتنظيمًا وموجهًا نحو المشكلات، لاسيما بعد وضع برنامج رؤية التحديث الاقتصادي، حيث بات التركيز مضاعفًا على الانفاق الرأسمالي، معتقدًا أن معدلات النمو الاقتصادي، قد تصل إلى أكثر 2.8 بالمئة، إلا أن العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة كان له تأثيرات مباشرة على السوق الاستهلاكي والاستثماري، إضافة إلى حالة الترقب التي تترافق مع هذا العدوان.
أما عن إمكانية المحافظة على هذا التحسن للعام المقبل 2024؛ بين العناني أهمية الاستمرار في تطبيق ما يلزم ذلك، وإيجاد الحلول المناسبة لبعض التحديات والمشكلات الرئيسية، مثل ملف الطاقة، والمياه والكهرباء، والاسراع في تنفيذ هذه المشاريع خلال العام المقبل نظرًا لأهميتها بالنسبة للأردن وخاصة بعد العدوان على القطاع.
وأكد ضرورة إيجاد الحلول المناسبة لمشكلات بعض المؤسسات المتعثرة والعمل على إعادة إحيائها من جديد، وبما يعود بالمنفعة العامة على البلاد وتسهم في زيادة الإنتاج وتوفير فرص عمل، إضافة للعمل على تحفيز القطاع الخاص للاستثمار بشكل أكثر.
وشدد الدكتور العناني على أهمية تحديد فرص الاستثمار من خلال تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في تلك المشاريع، والعمل على توفير الحوافز العملية وتخفيف الإجراءات الحكومية وتقليل البيروقراطية، مما يسهم بالتوجه نحو الإصلاح الاداري، مبينا أنه إذا تم تطبيقها وتنفيذها بالنحو السليم ستتم المحافظة على البيئة الاستثمارية وتحفيزها.
من جانبه، قال مدير عام جمعية البنوك، الدكتور ماهر المحروق، إن الأرقام التي حققها الأردن خلال عام 2022، أظهرت تحسناً، استمر في 2023 جراء تعافي العديد من القطاعات الاقتصادية من تداعيات جائحة فيروس كورونا، ولا سيما القطاع السياحي.
وأضاف، إن معدلات النمو التي حققها القطاع السياحي في ثلاثة أرباع العام الحالي، أضعاف ما حققته في عام 2019، معتبراً أن السياسة النقدية التي مارسها البنك المركزي الأردني في الحفاظ على معدلات استقرار النقد، عبر ضبط معدلات التضخم، حققت نتائج إيجابية على مستويات الاحتياطيات النقدية.
ووصلت الاحتياطيات الأجنبية للمملكة لنحو 17.4 مليار دولار وبنسبة تغطية لأكثر من سبعة أشهر من مستوردات المملكة من السلع والخدمات، أي ما يزيد على المعيار الدولي المتعارف عليه والبالغ ثلاثة أشهر.
وأشار الدكتور المحروق إلى أن انخفاض معدل البطالة ولو بنحو بسيط، وزيادة الصادرات، تعطيان مؤشراً إيجابياً على التحسن الاقتصادي العام، مما يستدعي المحافظة عليه وزيادته.
وانخفض معدل البطالة في المملكة، خلال الربع الثالث من العام الحالي بمقدار 0.8 نقطة مئوية، عن الربع الثالث من العام الماضي، وبثبات المعدل مقارنة مع الربع الثاني من هذا العام، ليسجل 22.3 بالمئة.
ولفت إلى ضرورة الاعتماد على موازنة تتضمن نفقات رأسمالية كافية لمشاريع جديدة، ترفع من الآثار الاقتصادية الإيجابية بما يرفع كذلك وتيرة الإنجاز، بالإضافة إلى ضرورة تشجيع الاستثمار بنحو استثنائي، بما يتلائم مع التغيرات الإقليمية، عبر زيادة المرونة في التعامل مع مختلف الظروف.
وأكد الدكتور المحروق ضرورة دعم فرص زيادة الصادرات، وخفض المستوردات، لزيادة حصة المنتج الوطني في السوق المحلية، بما يعزز من الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن مؤشرات الاقتصاد الوطني بقيت ضمن نطاق التعافي والتحسن، بفعل عدة عوامل، منها تحسن الإيرادات العامة وزيادة الصادرات وانخفاض المستوردات، وانخفاض العجز في الموازنة، وغيرها.
وأضاف، أن القطاع السياحي حقق إنجازات كبيرة، في ثلاثة أرباع السنة، حيث حقق إيرادات تقارب ما تم تحقيقه في 2019 قبل دخول جائحة فيروس كورونا للأردن، ما يعكس تطوراً كبيراً في الإيرادات السياحية وليالي المبيت وعدد الزوار للمملكة.
ونما الدخل السياحي للمملكة خلال الأشهر العشرة الماضية من 2023، بنسبة 34.7 بالمئة، وسجل 6.4 مليار دولار، مدفوعاً بارتفاع عدد السياح الذي وصل إلى 5.560 مليون سائح بنسبة نمو بلغت 34 بالمئة.
وتابع عايش أن الأداء الاقتصادي رافقه العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والمشاريع، وتحقيق المرحلة الأولى من رؤية التحديث الاقتصادي، متوقعا حصول بعض التأثير السلبي على مؤشرات الربع الاخير من 2023، جراء تداعيات العدوان الغاشم على أهالي قطاع غزة.
ودعا إلى توفير خططاً للطوارئ، للتعامل مع الاضطرابات والحروب وأي متغيرات قد تطرأ إقليمياً، بما يمكن من إدامة العملية الاقتصادية، عبر تشجيع المنتجات الوطنية لتوسيع حصتها محليا ، بما يخفف الأعباء على المستثمرين في عدد من القطاعات، ومراجعة الأعباء التي تسبب تكاليفاً إضافية، كالعبء الضريبي، وأسعار الفائدة.
وأكد عايش ضرورة البدء بمشاريع رؤية التحديث الاقتصادي، بعيداً عن أي تأجيل قد يؤثر على التكاليف والأداء الاقتصادي بنحو عام، بالأضافة لدراسة نتائج العمل بقانون تنظيم البيئة الاستثمارية، ومعالجة أي مخرجات سلبية له، كون الاستثمار أحد أهم أدوات التنمية الاقتصادية، وتغيير السياسات والوسائل والأدوات.
بدوره، أكد المستشار في الاستثمار والأعمال محمد علي القريوتي، أن أهم ما يمكن الحديث عنه في المؤشرات الاقتصادية في هذه المرحلة بالذات، عاملين؛ أولهما الميزان التجاري الذي يعكس التجارة الخارجية في الأردن من الصادرات والواردات، وثانيهما الناتج المحلي الإجمالي ومؤشراته.
وأضاف، أن انخفاض العجز في الميزان التجاري بقيمة مليار دينار في العشرة أشهر الماضية من 2023، يؤكد أن الأردن استطاع أن يعظم الاعتماد على الذات وترجيح دفة الصادرات، وسيكون له أثر مباشر على الاحتفاظ بالعملات الأجنبية بشكل أكبر جنبا إلى جنب مع استقطاب المزيد منها بفعل الصادرات.
وانخفض العجز في الميزان التجاري للمملكة منذ مطلع العام الحالي حتى نهاية تشرين الأول الماضي، بنسبة 9 بالمئة، ليصل إلى 8.142 مليار دينار، مقارنة بـ 8.948 مليار للفترة المقابلة من العام الماضي.
وقال "حين النظر إلى التصنيف السلعي للصادرات والواردات التي ساهمت بالأرقام والنسب، نجد حقيقة مهمة وهي أن سلة السلع الأردنية وعلى الرغم من الانخفاض النسبي بقيمة الصادرات الكلية بواقع 2 بالمئة، الا أن تنوع الصادرات وأهمها المنتج الأردني والمواد المصنعة الأردنية استطاعت أن تمتص التراجع الكبير في صادرات البوتاس والفوسفات والأسمدة والالبسة وهذه تخص في معظمها الصادرات المرتبطة باتفاقيات التجارة الحرة، في حين نمت صادرات المملكة من مستحضرات الصيدلة والمواد المصدرة المختلفة والحلي والمجوهرات".
ولفت إلى أنه في جانب المستوردات هناك مؤشر مهم بالانخفاض وهو تراجع مستوردات الأردن من النفط الخام ومشتقاته، وهذا يؤكد التحول الإيجابي لمصادر الطاقة البديلة وأهمها الطاقة النظيفة يضاف لها الانخفاض المتذبذب في أسعار المشتقات النفطية.
وأضاف القريوتي على ذلك انخفاض المستوردات من الحبوب ما يعطي مؤشراً مهما على الرغم من تذبذب الأسعار هو أن هناك بدائل، ويشير لأهمية المخزون الغذائي القائم لهذه السلع والذي ساعد في التحكم بأسعار الشراء واختيار الوقت المناسب للشراء أو زيادة المخزون الغذائي الاستراتيجي.
وانخفضت مستوردات المملكة منذ بداية 2023 وحتى نهاية تشرين الأول الماضي بوتيرة متسارعة، بنسبة 6.0 بالمئة، لتصل إلى 15.606 مليار، مقارنة بـ 16.594 مليار دينار لنفس الفترة من العام الماضي.
وبلغت نسبة تغطية الصادرات الكلية للمستوردات 48 بالمئة، منذ بداية العام الحالي لنهاية تشرين الأول الماضي، مقارنة بنسبة 46 بالمئة، خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وأوضح، أن الناتج المحلي الاجمالي سجل نموا بواقع 2.7 بالمئة في النصف الأول من عام 2023 مقارنة مع نفس الفترة لعام 2022، وأن غالبية القطاعات الإنتاجية سجلت نموا خلال الربع الثاني من عام 2023، منها القطاع الزراعي والصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية، والنقل والتخزين والاتصالات، والتجارة، والمالية والتأمين وخدمات الاعمال، والخدمات الاجتماعية.
وقال، إن هذا النمو "يشير إلى أن الأردن استطاع ومن خلال قوة وصلابة اقتصاده الوطني، والسياسة المالية والنقدية التي يقودها البنك المركزي من النجاح في تسجيل معدل تضخم بلغ 2.31 بالمئة، وهو من أقل معدلات التضخم في العالم.
واضاف هناك دولا عظمى تتمنى أن تصل لهذه النسبة واستخدمت الكثير من الأدوات المجحفة لتخفيض التضخم لديها وأهمها سعر الفائدة الذي ارتفع منذ بداية عام 2022 للا?ن 11 مرة وبأثر تراكمي بلغ 5 بالمئة، تضاف إلى الأعباء المالية على الدول المقترضة والقطاعات الاقتصادية والأفراد، ومع ذلك لم تصل هذه الدول إلى نسبة التضخم المنخفضة التي وصل إليها اليها الأردن.
وتابع أن الأردن وصل إلى حد الاكتفاء الذاتي محليا في إنتاج بعض السلع الغذائية، ومثال ذلك الالبان ومنتجاتها وبيض المائدة والدجاج واللحوم المصنعة والمخبوزات والحلويات وغيرها، يضاف إلى ذلك اكتفاء شبه ذاتي من بعض الصناعات مثل المعلبات وغيرها.
وذكر القريوتي عددا من الإضاءات الإيجابية والتي سجلت في تقديرات موازنة عام 2024، منها توقع نسبة نمو 2.7 بالمئة وللعامين التاليين 3 بالمئة لكل منهما، ومعدل تضخم عند حاجز 2.6 بالمئة، ينخفض الى 2.5 بالمئة للعامين القادمين، وأن 90 بالمئة، من النفقات الجارية ستغطى من الإيرادات المحلية.
وأكد أن الأردن بقطاعاته الاقتصادية المختلفة وأهمها الإنتاجية والتي تخلق تنمية مباشرة جنبا الى جنب مع القطاعات الأخرى المساندة مثل قطاعات السياحة وتكنولوجيا المعلومات والقطاعات التجارية والخدمية، اثبت قدرته على الوقوف في وجه الصعاب الاقتصادية الدولية والجيوسياسية وتحديات سلاسل الامداد والتزويد.
وبين أن القطاعات الاقتصادية هذه تمتلك المقومات المختلفة وتحتاج دائما إلى الممكنات التي تساعدها على البقاء والنمو وتعظيم الاعتماد على الذات وحماية المستثمر المحلي بكل الأدوات التي تضمن بقاءه واستمرارية أعماله فهو خط الدفاع الأول وهو الجاذب للاستثمار الأجنبي على حد سواء حين نتحدث عن الاستثمار ومقوماته.
ودعا لمواصلة العمل لتسهيل فتح الأسواق الجديدة باستمرار للمنتجات الأردنية التي تصل الى أكثر من 140 سوقا عالميا وتنتج ما يزيد على 1500 سلعة مختلفة يجب أن يكون أولوية دائمة لدى صانعي القرار.
وأكد القريوتي أن سلة السلع الأردنية بمنتجاتها المختلفة هي من لعبت دورا أساسيا في تخفيض العجز في الميزان التجاري وامتصاص التراجع الكبير في سلع أخرى مؤثرة، وقادت الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة ونمو متوازن في الناتج المحلي الإجمالي.
وقالت المدرسة قي قسم الاقتصاد بالجامعة الهاشمية الدكتورة آلاء البشايرة، إن أزمة فيروس كورونا أثرت على الاقتصاد العالمي، وكان من أهم تبعاتها الاخلال بسلاسل الإمداد والتزويد العالمية، ومع عجز العرض التهبت الأسعار وتصاعدت بشكل متزايد منذرةً بمشكلة تضخم تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، مما دفع الدول ومن ضمنها الأردن في إيجاد حلول للتخفيف من حدة التهديد القادم.
وأضافت أن البنك المركزي، اتخذ إجراءات حصيفة نجح عبرها بالحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، فانتهج سياسة انكماشية تدريجية لكبح جماح التضخم من خلال رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 500 نقطة أساس تراكميا على فترات بين آذار 2022 وأيار 2023 بالتزامن مع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، للحفاظ على نظام سعر صرف ثابت للدينار مقابل الدولار.
وبينت أن البنك المركزي ساهم بالحفاظ على مستوى رأسمال وسيولة ضمن الحدود المطلوبة والآمنة للقطاع المصرفي"، موضحة أن هذه الاجراءات التي بدأت منذ عام 2022، كان لها دورا معنويا في التهدئة من وتيرة التضخم وضبطه ضمن معدلات معتدلة نسبيا خلال 2023.
وأقترحت الدكتورة البشايرة أهمية الالتزام الرسمي باستقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية وتوفير ديناميكية أكبر أمام القطاع الخاص وإشراكه في صنع القرار للمساهمة في تحفيز النمو الاقتصادي المولد لفرص العمل، وبما يتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي 2033.بترا