الفرضيات التي بنيت عليها الموازنة العامة للعام المقبل نتجت على اوضاع طبيعية سبقت العدوان الإسرائيلي على غزة، وتذهب بكل بنودها على احتمالية انتهاء هذا العدوان وعودة الامور لطبيعتها دون حدوث تداعيات جديدة، غير انها تحمل رسائل كثيرة ومهمة للاردنيين جميعا والمستثمرين والمانحين، فما دلالات ومحتوى هذه الرسالة ؟.
أهم رسالة تبعث بها «موازنة 2024 » وبهذا الوقت تحديدا الذي نشهد به على العدوان الاسرائيلي على غزة تكمن في اننا ماضون دون توقف، فكل ما نتج عن هذا العدوان من تداعيات وما قد ينتج مستقبلا لن يثنينا عن اتمام خططنا المستقبلية وتنفيذ مشاريعنا ورؤى التحديث بشكل طبيعي، وبان عزيمتنا لن تنكسر في مواجهة كل التحديات كما نجحنا بها في السابق.
الظروف التي وضعت بها هذه الموازنة غير طبيعية ومعقدة غير انها ليست الأولى، ففي عام 2020 وعندما دخلت علينا جائحة كورونا وتحديدا في الربع الاول من ذاك العام لم تكن الموازنة قد حسبت حسابات وتكاليف وتداعايتها علينا، غير انها استطاعت ببراعة وتميز وحصافة ان تتعامل مع تلك التداعيات بمرونة كبيرة وفق اصلاحات اقتصادية سريعة تصدرها الاصلاح الضريبي و اجراءات البنك المركزي السريعة.
التداعيات التي نتجت عن جائحة كورونا لم تكن سهلة على الاطلاق بل الاكثر تعقيدا وصعوبة، فما شهدناه خلالها من اغلاقات وتراجع السياحة وتوقف عجلة الانتاج وزيادة الانفاق على القطاع الصحي وكذلك تراجع الايرادات ودعم القطاعات والعمالة المحلية ما كانت الموازنة انذاك لتتحمله لو انها استسلمت لفرضياتها التي وضعت قبل دخولها.
حاليا لدينا الكثير من الخطط والمشاريع والرؤى التي لن نتوقف عن تنفيذها رغم كل الظروف التي تحيط بنا من كل صوب واتجاه، معلنين ومن خلال هذه الموازنة على اننا ماضون دون توقف ومها كلف الثمن، باعثين برسائل اطمئنان للمواطنين والمقيمين والمستثمرين والجهات المانحة باننا ورغم نصرتنا وتضامننا وتعاطفنا مع غزة لن نتأثر لأدراكنا بان استقرارنا الاقتصادي والسياسي قوة ليس للاردن فقط، بل للمنطقة ولفلسطين وقضيتها تحديدا.
موازنة 2024 توقعت تسجيل نمو حقيقي للاقتصاد الوطني بنحو 2.6 % ونمو اسمي5.1 % والحفاظ على معدلات تضخم معتدلة بما يقارب 2.4%، فتوقعت ارتفاع الايرادات العامة بمقدار8.9% لتصل 10.3 مليار دينار ارتفاع الإيرادات المحلية لـ 9.6 مليار دينار ونسبته 10% نتيجة لارتفاع الإيرادات الضريبية بنحو 10.2% لتصل لـ 7.2 مليار دينار وتخفض العجز الأولي ليصل إلى 812 مليون دينار بنسبة 2.1 % من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 2.6 بالمئة في عام 2023، وتخفيض الدين العام الى 79%.
خلاصة القول، ان موازنتنا العامة وضعت وفق فرضيات تعتمد على ان لاشيء قد تغير وهذا دليل واصرار على عزم الحكومة والاردن على المضي باقتصاده لتحقيق معدلات نمو مبشرة وتنعكس على حياة المواطنين والمستثمرين، ولهذا وجب ان نتعامل معها بحساسية مفرطة وعدم اثقالها بـ «الشعبويات والمزايدات» استعدادا لأي طارئ قد يحدث «لا سمح الله».