أصبح الحديث عن السلام في هذه الأوقات صعبَ المنال لأنَّ صوت آلة الحرب والدمار والخراب هو الذي يعلو ويترك خلفه ركاماً وخراباً، ورائحة الدم تشتَّمُ في كل مكان، والخوف والهلع ليس فقط من هول الدمار الفظيع بل من المستقبل المجهول، لذلك وكما يقال، إنَّ طريق السلام أصعب بكثير من طريق الحرب، ففي لحظات تدمِّرُ الحروب كل شيء وتزرع الحقد والكراهية والعداء والإنتقام، ولكنَّ طريقَ السلام شاق ومضنٍ ويتطلب سنين عديدة من إعادة بناء الثقة وإستعادة القدرة على إكمال مشوار الحياة.
لكننا لن نفقد الأمل والرجاء أبداً، فبناء السلام والسعي لأجله ينبع من داخل الإنسان، والسلام كما نفهمه ليس مجرد غياب الحرب، بل السلام هو حالة من الأمن والإستقرار والنمو والتطور وبناء مجتمع إنساني يزخر بكل معاني الإنسانية والعدالة والكرامة والمساواة. وأهم رسالة تولد في قلوبنا في نهاية هذا العام مع قرب حلول عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية هو أنَّ إلهنا هو إله المحبة والسلام، ومسرتُّهُ بنا نحن بني البشر عندما نسعى ونجّد في إرساء قواعد السلام المرتكز على الحق والقائم على العدل " فطوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون"، فيحِّلَ السلامُ في بلادنا كما في أنشودة الملائكة في بلادنا المقدسة " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسّرة".
فبرغم كل ما نشهده من حولنا لن نفقد فرحنا وسلامنا الداخلي النابع من عمق الذات الإلهية، وحتى وإن تخلَّينا عن مظاهر الإحتفال بالأعياد كما جرت العادة والتقاليد المرعية في شرقنا العربي، إلا أن ذلك نابع من وطنيتنا وعروبتنا وإنسانيتا، فلن نقدر أن نفرح وشعبنا وأهلنا وأطفالنا ونساؤنا وشيوخنا في غزة يذبحون تحت آلة الحرب المدّمرة بقتل عشوائي في حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي لا تقيم وزناً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وحقوق المدنيين في أثناء الحروب والنزاعات. لذلك فإننا نتحلى بالصبر المفضي إلى رفع الظلم والقهر وزوال الإحتلال، أساس الصراع في المنطقة، ورافعين تضرعاتنا وصلواتنا، مع شكرنا لله في كل الظروف والأحوال، إلى العلي القدير بأن يرحم المعذبين والمنكوبين والمتضررين من هذه الحرب، وأن يحرك قلوب الحكام والمسؤولين للسعي إلى تحقيق السلام العادل والشامل ولئم الجراح والأمل بغدٍ أفضل.
وما نشهده من تعاطف القوى الشعبية العالمية في التظاهر دعما للقضية الفلسطينية يبعث فينا الأمل والرجاء بأنّ سلام الله العامل في قلوب البشر يدعوهم لنصرة القضية الفلسطينية والطلب لإيقاف الحرب فوراً وتقديم أعمال الإغاثة الإنسانية والطبية العاجلة وتوفير متطلبات الحياة الأساسية ودعم كل الجهود والمساعي الدولية في الأمم المتحدة للإعتراف بالدولة الفلسطينية القابلة للحياة بمبدأ حل الدولتين.
فسلامنا القلبي في عيد الميلاد يشكل الدافع القوي لنا للمضي قدماً في طريق بناء السلام العادل والشامل.