بعد مرور أكثر من الشهرين ونصف من المعارك التي استُخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة من الطيران والقذائف والسلاح الكيميائي بالإضافة إلى التغول البري والبربري ضد شعب أعزل أمام مرأى من العالم، ومنذ بدء هذا العدوان الهمجي حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر، النتيجة هي ما يزيد عن (19) ألف شهيد بالإضافة إلى قرابة ال (50) ألف جريح ومفقود، والعالم للأسف لم يحرك ساكناً رغم معرفة الجميع سياسة الكيل بمكياليْن وازدواجية المعايير التي تحكم المشهد.
وبهذا الصدد، يحضرني تساؤلاً في الوقت الحالي ألا وهو: إلى متى سيصمد أهل قطاع غزة أمام هذا العدوان البربري؟
دعوني هنا أتحدث عن الشق الإنساني والقدرة على التحمل والصمود ليس العسكري ما أقصده هنا؛ فالإنسان له طاقة وقدرة للتحمل خاصة في ظل مشاهد الموت المحيط بالجميع هناك، علاوة على الموت البطيء لعدم توفر الحاجات الأساسية للحياة، من مواد غذائية أو ماء أو كهرباء أو دواء أو وقود.
لقد جعلت إسرائيل بقصفها وتدميرها شمال غزة منطقة منكوبة، وهذا السيناريو عملت عليه منذ اليوم الأول للمعركة، إذ نتج عنها نزوح ما يقارب المليون ونصف إلى مناطق الجنوب، كما تشهد مناطق وسط غزة في هذه الأيام معارك شديدة على المدنيين للضغط باتجاه نزوح وإخراج ما تبقى من السكان باتجاه الجنوب.
من هنا نقول: لو تعاملنا مع الواقع وفق معادلات حسابية، فكيف لمليونين ونصف من الفلسطينيين أن يجتمعوا في منطقة جغرافية لا تتجاوز مساحتها المقررة من إسرائيل عشرين كيلو متراً بالكثير، ويؤكد ذلك أن العدد الضخم من البشر سيتواجدون في بقعة جغرافية صغيرة جداً منزوعة الخدمات الإنسانية بل ومدمرة كلياً، كما أن وجودهم في الجنوب ممكن أن يكون كخطوة أولى كي تتجه لتشديد ضرباتها لجنوب غزة أيضاً كما تفعل الآن، وهل هذا يعني أن السيناريو لن يبقى على ما هو عليه، وأن هناك خطوات لاحقة تعمل عليها لتهجير السكان خارج حدود فلسطين لجمهورية مصر العربية وبالتالي تكون قد نفذت مخطاطاتها؟
ربما يدور هذا السيناريو في فلك المخطط الإسرائيلي وترغب به حكومتها الحربية، علماً أن هناك عوامل عدة قد تُفشله، منها صمود المقاومة الفلسطينية وتحقيق إصابات موجعة لإسرائيل، وهذا واضح جداً من خلال المعارك البرية في كافة أرجاء القطاع، ما يعني تأخير تنفيذ سياستها تلك، وفي الوقت ذاته يساعد تصعيد الموقف العربي القاصر حالياً للضغط أكثر دبلوماسياً لإيقاف هذه المعارك، بالإضافة لتحرك الشارع الشعبي الدولي للضغط على حكوماته الرسمية، حيث إن العالم (المتحضر) بما يراه من مشاهد لم تحدث في تاريخ البشرية، إلى جانب وجود عامل مهم وهو فرض الولايات المتحدة الأمريكية على الحكومة الإسرائيلية إنهاء هذه المعركة وسماع توجيهاتها رغم بعض الخلافات التي بدأت تظهر للعلن، نتيجة مكابرة ننتياهو سياسياً وعسكرياً لما له مصلحة من الاستمرار رغم النتائج السلبية على جميع الأطراف.
ختاماً، تحاول إسرائيل الضغط لغاية التهجير، ولكن يجب على العالم احترام كلمته وقراراته الدولية وذلك بمنع التهجير وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، والعمل الجاد بالسرعة القصوى لحل الدولتيْن رغم حاجتها لعوامل عديدة، ومع هذا يجب أن يبدأ العمل بها لأنها السبيل الأنسب من أجل تحقيق السلام بالشرق الأوسط.