أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

متغيرات مستجِدّة في السلوك السياسي الاسرائيلي


د. أحمد بطّاح

متغيرات مستجِدّة في السلوك السياسي الاسرائيلي

مدار الساعة (الرأي) ـ
إنّ المُتابع للسلوك السياسي الإسرائيلي منذ نشأة إسرائيل في عام 1948 يلاحظ أنها كانت تلتزم بثلاثة مبادئ أساسية وبخاصة في حالة الحرب وهي:
أولاً: الاهتمام بحياة جنودها، وتقليص خسائرها البشرية إلى أقصى حد ممكن، واسترداد أسراها، والكُل يعرف أن إسرائيل كانت حريصة في كل حروبها السابقة على محاولة اختصار مدة الحرب لتقليل أعداد القتلى، كما كانت حريصة على مقايضة أسراها وكلنا يذكر كيف أنها أطلقت سراح ألفٍ من الأسرى الفلسطينيين (كان بينهم يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة والمطلوب الأول إسرائيلياً الآن) مقابل جندي واحد وهو "جلعاد شاليط"!، وقد يكون ذلك عائداً إلى قلة أعداد اليهود (15 مليون في العالم، 7 في إسرائيل)، وقد يكون عائداً لأسباب أخرى دينية وثقافية.
ثانياً: تقليص مدة الحرب تحاشياً للخسائر الاقتصادية المترتبة على استدعاء الاحتياطي إذْ -ومع أنّ الجيش الإسرائيلي يُصنف ضمن أقوى 18 جيش في العالم حسب موقع "غلوبال فاير باور"- إلّا أنه يعتمد بشكل أساسي على الاحتياطي (عدد الجيش النظامي لا يزيد عن 200,000 ولكنه مع الاحتياطي يقارب 800,000). إنّ حروب إسرائيل منذ عام 1948 وحتى الآن -وباستثناء المواجهات مع حركة حماس وحزب الله- لم تتجاوز الثلاثة أسابيع، وذلك لأنّ دعوة الاحتياطي يعني شبه شلل للاقتصاد الإسرائيلي. لقد آمنت إسرائيل دائماً بما سُمّيّ "بالحروب الخاطفة" وذلك لاختصار كلفة الحرب بشكل عام من جهة، وللتقليل من خسائرها الاقتصادية الناجمة عن استدعاء جنود الاحتياط بالتحديد من جهةٍ أخرى.
ثالثاً: المحافظة على صورتها أمام العالم فقد قدمت إسرائيل نفسها ومنذ نشأتها على أنها "دولة ديمقراطية" مستقرة وسط إقليم مضطرب تحكمه أنظمة استبدادية، كما قدمت نفسها على أنها ضحية، وأنّ الفلسطينيين وجيرانها العرب يسعون إلى القضاء عليها، وفيما يتعلق بجيشها بالذات فقد دأبت على الادعاء بأنه "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم".
إنّ المراقب المتابع يلاحظ كما أشرت آنفاً إلى أنّ إسرائيل لم تعُد تلتزم تماماً بهذه المبادئ ففيما يتعلق بالمبدأ الأول أعلنت أنها سوف تخوض حرباً طويلة بغض النظر عن أية نتائج، وفيما يتعلق بالأسرى أو من تُسميهم "الرهائن" فإنها لم تظهر اهتماماً كبيراً باستعادتهم، إذْ ما أن استعادت عدداً محدوداً منهم في الهدنة التي تمّ التوافق حولها حتى استأنفت الحرب بكل عُنف، ورغم مظاهرات أهالي الأسرى الكثيرة والدعم المجتمعي لمطالبهم لم يرضخ مجلس الحرب الإسرائيلي لهم، بل اتضح أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" ووزير دفاعه "جالانت" غير مهتمين كثيراً بهؤلاء الأسرى والمعرضين لخطر حقيقي بسبب القصف العشوائي (الذي اعترف به بايدن أخيراً!) والهمجي الذي تشنه إسرائيل على كامل قطاع غزة.
وفيما يتعلق بالمبدأ الثاني فإنّ إسرائيل قامت باستدعاء أكثر من 300.000 جندي من جنود الاحتياط لخوض حربها الحالية مع "حماس"، وهي تعلن بصريح العبارة أنها سوف تكون حرباً طويلة وقد تمتد لأشهر. صحيح أنها لا تملك شن حرب خاطفة كما اعتادت، وصحيح أنّ مهمتها في القضاء على حماس كما تأمل تستدعي منها جهود آلاف الجنود النظاميين والاحتياط، ولكنها لم تعد تعطي هذا الموضوع وما يترتب عليه اقتصادياً أولوية ربما بسبب وضعها الاقتصادي الجيد، أو بسبب الدعم الأمريكي السخي (قدم لها بايدن 14 مليار حتى الآن)، وربما لأنها تدرك أنها مضطرة لتقديم مصلحتها "الأمنية" على مصلحتها "الاقتصادية" في هذه المرحلة.
أمّا فيما يتعلق بالمبدأ الثالث وهو صورة إسرائيل في العالم (التي تراجعت كثيراً جداً بشهادة الرئيس الأمريكي) فإنها على ما يبدو لم تعد تكترث بهذه الصورة التي تلوثت بالدم الفلسطيني وأشلاء الأطفال والنساء والمُسنين وأمام أنظار العالم الذي لم يعُد يطيق مشاهد الرعب والدمار التي تتسبب بها إسرائيل يومياً، وما المظاهرات التي تشهدها كبريات مدن العالم منددةً بإسرائيل ومقارفاتها البشعة إلّا شاهد على ذلك، وقد بلغ الأمر برئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي أن يعترف بأنّ صورة إسرائيل قد "تشوهت" ليس فقط في الولايات المتحدة بل على مستوى العالم!.
إنّ المرء قد يتساءَل: لماذا خرجت إسرائيل عن هذه المبادئ؟ إنّ الإجابة على هذا التساؤل تكمُن في حجم اللطمة المؤثرة التي وجهتها حماس لها والتي كانت مُهينة حقاً للجيش الإسرائيلي، ولأجهزتها الاستخبارية التي كانت تتبجّح على الدوام بأنها الأقدر والأذكى!
إنّ هذا الخروج عن المبادئ السابقة هو بسبب الرغبة الجامحة في الانتقام والثأر ليس فقط للقتلى، ولكن لهيبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وهو شفاء لغليل أقطاب اليمين الإسرائيلي المتعطش لسفك دماء الفلسطينيين ونفيهم -إن أمكن- من وطنهم، ناهيك عن رغبة نتنياهو في عدم مغادره المشهد السياسي وهو مُلطّخ بالعار بسبب فشله في السابع من أكتوبر بعد أن حكّم إسرائيل أكثر من خمس عشرة سنة، وقدمه الإعلام الإسرائيلي على أنه "سيد الأمن".
مدار الساعة (الرأي) ـ