اعلنت جماعة الحوثي في اليمن قبل عدة ايام تصعيدا جديدا يتعلق بمساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، من خلال استهداف ومهاجمة أي سفينة تتجه نحو الموانئ الإسرائيلية ، عبر خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر ، بغض النظر عن الدولة التي تنتمي اليها السفينة ، وقد سيطرت في 19 نوفمبر ( تشرين الثاني ) على السفينة الإسرائيلية( غالاكسي ليدر) واقتادتها مع طاقمها نحو السواحل اليمنية وبعدها سفينة ( كلاندار) المملوكة لشركة زيم الإسرائيلية ، ما تأثير هذا التصعيد على الاقتصاد الاسرائيلي لكون القرار بمثابة إعلان فرض حصار تجاري بحري مباشر على إسرائيل من خلال البحر الأحمر ؟
يعتبر مضيق باب المندب الخيار الأفضل للتجارة بين دول آسيا من جهة وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى ويربط بين البحر الاحمر من الجنوب بالمحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن ويمر بالمضيق 10٪ من التجارة البحرية الدولية ( 21الف سفينة سنويا ، 6مليون برميل نفط يوميا) ،و يفصل باب المندب بين جيبوتي في افريقيا واليمن في اسيا وتتحكم به كل من اليمن وجيبوتي وإريتريا ، وزادت اهميته عالميا بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 وربط البحر الاحمر بالبحر الابيض المتوسط، ويعبر من خلاله خمس الاستهلاك العالمي من النفط ،لذا اوجدت العديد من الدول قواعد عسكرية لها في جيبوتي والصومال وإريتريا.
على الجانب الاخر توجد قناة السويس وهي ممر مائي اصطناعي بطول 193كم ، يربط بين البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر ، وتعتبر حركة الوصل البحرية الاسرع بين آسيا وافريقيا ،وتختصر القناة المسافة بين اوروبا واسيا، حيث توفر بين خمسة إلى 15يوم في المتوسط من وقت الرحلة عبر الطرق الأخرى، والبديل هو اتخاذ مسار اكبر حول القارة الافريقية ( طريق رأس الرجاء الصالح ) ، وقناة السويس التي تم افتتاحها عام 1869 تعد ثالث مصدر للنقد الاجنبي لمصر بعد تحويلات المصريين بالخارج والسياحة ، حيث يتوقع ان تكون ايراداتها في عام 2023 نحو 10.3 مليار دولار ونمت بنسبة 20.3% مقارنة بالسنة السابقة .
ويمر بالقناة نحو 26 الف سفينة سنويا ،و10% من تجارة النفط ( من ضمنها ثلثي النفط الخام القادم من منطقة الخليج ) و 8% من الغاز المسال ،بالإضافة الى ان 30% من حاويات الشحن في العالم تمر يوميا بالقناة ، وايضا 12% من تجارة السلع في العالم ، اما حصة البضائع القادمة من جنوب القناة والعابرة من مضيق باب المندب فتبلغ نحو47% من البضائع المارة بقناة السويس حسب الاحصائيات المصرية ،بالإضافة الى ان ما لا يقل عن 98% من البضائع والسفن القادمة من جنوب قناة السويس تمر من خلال مضيق باب المندب باليمن .
والبديل عن قناة السويس هو طريق "رأس الرجاء الصالح" وهو طريق بحري يربط بين آسيا وأفريقيا عبر الدوران حول أفريقيا وكانت تمر به السفن المتجهة من وإلى آسيا قبل حفر ممر قناة السويس ، وهو أطول بنحو ثلاثة آلاف ميل بحري ،وقد أطلق عليه هذا الاسم ملك البرتغال جون الثاني في القرن الخامس عشر ، للتعبير عن ابتهاجه باكتشاف طريق بحري إلى الهند يغني أوروبا عن سلوك طريق القوافل البرية المعرضة للخطر ، ودون المرور ببحر العرب.
وطريق رأس الرجاء الصالح هو بروز صخرية على هيئة رأس يقع على بعد 90 ميلا أقصى جنوب القارة الأفريقية ، ويبعد عن كيب تاون عاصمة جنوب افريقيا 140 كم ، ويتميز بمناخه المعتدل صيفا وعواصفه الشديدة شتاء ويشتهر بكثرة الحيوانات والطيور نظرا لموقعه الاستراتيجي ، وأطلق عليه في البداية رأس العواصف ، وقد ساهم الرحالة العربي أحمد بن ماجد في ارشاد الرحالة البرتغالي فاسكو دي جاما للوصول الى الهند وعرفه على بعض الأدوات البحرية مثل: الإبرة المغناطيسية ، والبوصلة، وجعل الهيمنة التجارية للبرتغال وحققوا مكاسب كبيرة على حساب الممالك .
وقد اعلن الفريق أسامه ربيع رئيس هيئة قناة السويس في 17 من الشهر الجاري أن عدد السفن التي تحولت للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح من 19نوفمبر (تشرين الثاني ) ولغاية تاريخه هي 55 سفينة مقابل مرور 2128 سفينة خلال نفس الفترة ، واضاف "قناة السويس ستظل الطريق الأسرع والاقصر حيث تصل معدلات توفير الوقت للرحلات المتجهة عبر قناة السويس بين قارتي آسيا وأوروبا من 9 أيام إلى أسبوعين وفقا لمينائي القيام والوصول "
وتشير التقارير ان هذه التطورات ستكون لها تأثير على حركة الملاحة المارة بالبحر الاحمر وبالتالي قناة السويس ، وقد يؤدي ذلك الى ركود اقتصادي عالمي ،ومن الحوادث المشهورة سابقا تعطل السفينة العملاقة "إيفرغيفن "في قناة السويس في بداية عام 2021 وتعطل الملاحة في قناة السويس في كلا الاتجاهين لمدة 6 ايام ، حيث تسببت في خسارة للتجارة العالمية بلغت 10 مليار دولار يوميا ، وخسارة هيئة قناة السويس 14مليون دولار يوميا ، وارتفع الى 28مليون دولار يوميا و 200 مليون دولار اسبوعيا .
ان هذه التطورات سوف تؤدي الى ارتفاع اسعار النقل والتامين وتكاليف الانتاج والوقود ، وارتفاع اسعار النفط والغاز عالميا ، وبالتالي ارتفاع اسعار السلع عالميا ، وقد اعلنت شركة ميرسك الدانماركية وهي احدى اكبر شركات شحن الحاويات بالعالم انها ستوقف جميع عمليات الشحن بالحاويات عبر البحر الحمر حتى اشعار آخر وسلوك مسار حول أفريقيا والتوقف عن المرور عبر مضيق باب المندب .
ومن الجدير ذكره ان باب المندب لم يغلق بشكل كلي من قبل ، وتم استخدامه كسلاح لحصار اسرائيل بحريا من الجنوب ، في حرب اكتوبر 1973 ، حيث اغلقت مصر باب المندب امام الملاحة الإسرائيلية لمدة 3 اسابيع.
وفي تقرير لموقع غلوبس المختص بالاقتصاد الإسرائيلي أشار الى انه تم اصدار اوامر للموانئ الاسرائيلية بحجب بيانات السفن القادمة والمغادرة تجنبا للهجوم عليها من قبل جماعة الحوثي .
وتعتمد إسرائيل في تجارتها على الموانئ البحرية بنسبة 98٪وخصوصا مع دول شرق وجنوب شرق آسيا ، التي تعتمد على المرور عبر مضيق باب المندب وقناة السويس ، وحسب صحيفة غلوبس الإسرائيلية ارتفعت أسعار النقل من الصين الى ميناء أسدود في إسرائيل بنسبة 9%-14% ، وهذا سوف يؤدي إلى ارتفاع سعر شحن الحاويات وارتفاع تكاليف التأمين واحتمال تلف البضاعة
ويعتبر ميناء أسدود في الجنوب وميناء حيفا في الشمال من أكبر الموانئ الإسرائيلية ، اما ميناء عسقلان فهو الأقرب لغزة وهو مغلق منذ طوفان الأقصى ،وفي الثلاثين من الشهر الماضي أعلنت شركة الشحن البحرية الاسرائيلية (زيم )تحويل مسار سفنها عن قناة السويس بسبب الأوضاع في بحر العرب وجنوب البحر الاحمر ، الى رأس الرجاء الصالح ، الأمر الذي سيرفع من أجور الشحن وأسعار السلع بحدود 9% كحد أدنى ، وهذا سوف يزيد من الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني من ركود كبير نتيجة ارتفاع التكلفة اليومية للحرب ، وتكاليف التعويضات للمتضررين من الأفراد والشركات ،بالإضافة الى ارتفاع أسعار السلع بالنسبة للمستهلكين بنسبة 30-40%.
أن التجارة البحرية لإسرائيل تتم عبر سفنها أو سفن دول وشركات أخرى وعدد الافراد الذين مروا عبر الموانئ الإسرائيلية في عام 2022 (تجارة أو سياحة ) بلغوا 387الف مسافر ، اما التجارة السلعية لإسرائيل فتشكل 34.6٪ من الناتج المحلي ، حيث بلغت صادرات إسرائيل من السلع 73.8مليار دولار اما الواردات فبلغت 107.2مليار دوﻻر واستقبلت موانئ إسرائيل 40.6 مليون طن وصدرت 18.2مليون طن ،وتقدر حجم التجارة الإسرائيلية مع الدول الآسيوية ب 40 مليار دولار سنويا .
وفي تطور جديد أدرج سوق التأمين في لندن منطقة جنوب البحر الاحمر ضمن المناطق عالية المخاطرة وهذا يؤدي إلى دفع أقساط إضافية وزيادة الاسعار ، بالإضافة الى تجنب الكثير من الشركات التعامل مع السفن الإسرائيلية والموانئ الإسرائيلية ، وارتفاع تكاليف النقل والأجور لكن البديل الأخر مكلف وهو النقل الجوي أو البري.
