بطريقة متسارعة وغير مفهومة، استجابت الأسبوع الماضي غالبية فعاليات المجتمع المدني والأهلي والخاص لدعوات خارجية غامضة لإضراب شامل تحت عنوان دعم صمود غزة.
وكأن الإضراب شبه محصور في الأردن فقط، علما أن الإضراب في الضفة الغربية لم يتجاوز الـ30 %، والأمر مشابه في لبنان، في حين أن باقي الدول تناست تلك الدعوات بشكل كامل، بما فيها الدولة التي انطلقت منها دعوة الإضراب الشامل.
سأتحدث بصراحة مطلقة في موضوع شأن الإضراب، ومن المؤكد أنه لن يعجب الكثير، خاصة من أولئك الباحثين عن الشعبويات.
ما حدث من إضراب يوم الاثنين الماضي هو أمر لا يخدم سوى طرف واحد، وهو كيان الاحتلال فقط لا غير.
لا يوجد له أية أهمية أو فاعلية بالنسبة للضغط على إسرائيل لإيقاف مجازرها ضد الأهل في غزة، بل على العكس، هو يولد مزيدا من الضغوط على كافة القطاعات الاقتصادية، ويتسبب لها بمزيد من الخسائر، ويضعف قدرتها على دعم صمود غزة.
ماذا يعني لغزة وصمودها ودعم أهلها أن تقوم غالبية المحال التجارية والصناعية والخدمية بإضراب شامل، وتتكبد فيه خسائر فادحة؟ لا بل وتتحمل فيه أعباء مالية جديدة تساهم بمزيد من الضغوطات عليها.
لصالح من يتم تعطيل الاقتصاد الوطني بهذا الشكل الغريب، دون أن تستفيد منه غزة أبدا؟
الغريب في الأمر أيضا لغة التخوين التي انتشرت بين فعاليات القطاع الخاص والأهلي، فالذي لا يضرب أو يستغل محلاته أو شركاته أو مصانعه هو خائن لغزة وأهلها، مما دفع الكثير من الجهات للمشاركة في الإضراب خوفا من هذا الوصف، رغم قناعتهم المطلقة بعدم جدوى الإضراب للأهل في غزة نهائيا، فالاقتصاد القوي أفضل من الاقتصاد الضعيف لدعم غزة.
الإضراب الأخير هو شكل من أشكال الانتحار الذاتي، فالضرر الواقع على من قام به كبير ولا يعوض، والأهم من ذلك أنه لا يخدم أبدًا غزة وصمودها، ولا يدعم أبدًا قدرة الأردنيين على مواصلة دعم الأهل في غزة، فهو لا يولد سوى مزيد من الضغوطات والخسائر.
غالبية الشركات والمؤسسات والمحلات كانت خسائرها كبيرة في الوقت الذي يعاني الكثير منها من أوضاع اقتصادية غير مريحة، الأمر الذي يستوجب من المعنيين وأرباب العمل التعقل والرشد في التعاطي مع الأمر، والتفكير بجدية ومسؤولية تجاه كيفية دعم غزة وصمودها، نحو مزيد من التبرع المادي والمعنوي وتقديم مختلف أشكال الاحتياجات لأهل غزة، حتى يعزز صمودهم في مواجهة حرب الإبادة التي يقودها كيان الاحتلال الغاصب.
شركات الألبان ومربو الأبقار ومحلات الحلويات والمخابز وغيرها من شركات المواد الغذائية، وغيرهم الكثير من الشركات، قامت بإلقاء مئات الأطنان من المواد الاستهلاكية، وأصبحت في مكب النفايات، والمشهد كان محزنا، فكل ما حدث يصب في صالح كيان الاحتلال، ولا يخدم صمود غزة أبدًا.
أمر مؤسف ما يحدث في المشهد العام، فغياب الإدارة العاقلة عن الكثير في فعاليات المجتمع ساهم في إضعاف قدرتهم على مواصلة الدعم بأشكال مختلفة، نتيجة انسياقهم وراء أصوات تتلاعب بأمن البلاد واستقرارها، وتتسلل لإحداث ضغوطات اقتصادية تحت شعارات كاذبة توهمهم بمزاعم تخدم مصالحهم الشخصية لا أكثر.
دعم غزة يكون بالمواقف الثابتة والضاغطة على كيان الاحتلال وتقديم كافة أشكال الدعم للفلسطينيين لدعم صمودهم ومقاومتهم، لا يكون بالانسحاب والاختفاء، والتسلل إلى المشهد العام بسلوكيات اقتصادية لا تحقق أي مصلحة عامة، بل على العكس تساهم في مزيد من الضغوطات والخسائر، وتفيد بشكل مباشر كيان الاحتلال.