تجتاح تصريحات وزير الخارجية (أيمن الصفدي) المواقع, وأظن أن شعبيته بين الناس ارتفعت, هو بصراحة وفي ملف الخارجية يظل وزير خارجية الملك.. وهو ينفذ توجيهات وتعليمات الملك بأقصى حذافيرها.
ولكن لماذا يبدع الصفدي؟ لماذا لا يتلكأ.. لماذا يخدم خطابا وباللغتين العربية والإنجليزية بعيدا عن الإنشاء, لماذا يقدم موقفا صارما؟
المناصب العليا في الدولة لا تحتاج لموظفين بقدر حاجتها للوعي , ولمن يحملون مشروعا سياسيا ولمن يستطيعون صياغة مشهد وانتاج مبادرة... أيمن هو حالة وعي في القرار السياسي, لأنه تدرج من مجتمع الصحافة , ومن يصل لمرتبة رئيس تحرير للزميلة الغد و(للجوردن تايمز) قبلها. عليه على الأقل أن يكون قد قرأ في حياته (الف كتاب).. عليه أن يعرف تاريخ الدولة بتفاصيله، عليه أن يعرف البنى الإجتماعية عليه أن يكون مثقفا نخبويا.
على الأقل لو أعطيت أيمن الصفدي مفتاح سيارتك وقلت له اذهب إلى الغويرية في الزرقاء , سيعرفها مثل كف يده وسيذهب.. لو قلت له: إذهب إلى الهاشمية وبعدها للمفرق سيدلك على أكثر الطرق اختصارا.. بالمقابل بعض المسؤولين الذين مروا على الحكومات الأردنية لايعرفون الطريق إلى (ماركا)... لقد ذهبت ذات يوم مع مسؤول سابق لأداء واجب العزاء في (ماركا) صدمت عندما أخبرني أنه أول مرة في حياته يدخل هذه المنطقة... أنا بررت له المسألة بالقول: إن من يرى عمان من شبابيك الطائرات فقط, حتما لن يعرف ماذا تعني ماركا في الذهن.. ماذا يعني أول بريد في الدولة. وأول مستشفى وأول مطار ..وأول عقد سياسي واجتماعي بين الملك المؤسس وشيوخ العشائر... ماركا كانت البداية واسمها الحقيقي هو (المركى)..
الوعي يحمي الدولة , والشخصية السياسية التي تدرجت من الطبقات الوسطى والفقيرة.. قادرة على قراءة أمزجة الناس ومسارات الشارع , وهذه الأصل أن تكون هي شروط المناصب العليا ..من قال أن المناصب العليا في الدولة تحتاج لمسابقات ...أبدا هي لا تحتاج ذلك بقدر ما تحتاج للمعرفة والإنتماء الحقيقي .
أنا ولائي للملك لا يقوم على مبدأ الوظيفة العامة أو حجم المكاسب, بل يقوم على الوعي وإيماني بأن الملك يمثل ضرورة للسيادة وللأمن.. هو ضمير الدولة، والمعبر عنها .. وهو ضمانة استقرارها وقوتها.. ومفهومي للإنتماء لا يقوم على رفع علم أو تشغيل أغنية وطنية بثتها الإذاعات ألف مرة بل يقوم على قراءة متعمقة لهذه الدولة لعشائرها ومخيماتها لبدوها لقتالها الشرس لشخصية أهلها.. حتى لتضاريسها, وتضاريس الوشم على خدود عجائزها.
أيمن الصفدي أبدع في الحرب الأخيرة, لأنه ابن الوظيفة القائمة على الوعي.. وهو من النخبة المثقفة, والأهم هو ابن المشروع الإجتماعي الحقيقي للدولة, والده كان عقيدا في الجيش قام بتربيته على الإلتزام وحب العلم وعشق البلد والولاء للعرش...
الصفدي لا يقرأ في إطار التصريح, بل يقرأ في إطار التركيبة الإجتماعية والبنية الثقافية.. يقرأ في إطار الوعي, الذي نحتاجه في الوظائف العليا للدولة.