عندما يصرح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه أن الأردن لا يمكن أن يقبل أن تحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وأن القوات المسلحة وألاجهزة الأمنية ساهرة على حماية الوطن، وأن فلسطين قضيتنا ودرتها القدس الشريف، فهذا قول فصل يحدد بشكل واضح لكل السلطات ومؤسسات المجتمع المدني والاحزاب خارطتها السياسية حول هذا الموضوع ويحسم أي مزاودات من أي شكل حول الدور الأردني.
قبل السابع من أكتوبر اقتحمت قطعان المستوطنين كالعادة في حماية جنود الاحتلال الصهيوني باحات وساحات المسجد الأقصى المبارك في حدث يبدو أنه أصبح طبيعيًا في سياسة هذا الكيان العنصري والمستبد شأنه كشأن قتل الفلسطينين بدم بارد ومصادرة أراضيهم وتهويد الأرض الفسطينية وفرض سياسة الأمر الواقع على المشهد ، ويبدو ان هذه العملية الاقتحامية للمسجد الأقصى كغيرها من مآس ماضية، وأخرى ماثلة، كانت في ذهن المتطرفين من المستوطنين وعلى راسهم وزير الأمن القومي الصهيوني بن غفير كانت ستمر مرورًا طبيعيًا، ولكن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله كان متنبهًا أن هذه الأفعال الحمقاء وغير الشرعية ستسبب احتقانًا كبيرًا في المجتمع الفلسطيني والعربي والإسلامي بل والعالم الحر وهو كفعل متراكم مع اقتحامات المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية سيشكل في لحظة ما انفجارا كبيرا في المنطقة وربما الإقليم والعالم، وهذا ما حدث فعلًا ، بعملية طوفان الأقصى التي انطلقت من غزة وتجاوزت آثارها حتى الآن حدود المنطق، وقد كتبت الكثير عنها في وسائل الاعلام المختلفة
لقد عملت الحكومة الصهيونية اليمينية برئاسة نتنياهو على ممارسة الكذب والنفاق وتزوير الحقائق حول عملية طوفان الأقصى، ولا أحد ينكر تفاصيلها ولكن الحديث عن حرق الأطفال والنساء والرجال وقطع رؤسهم كانت بروبوجاندا إعلامية اسرائيلية مع بكاء نتنياهو وأعضاء حكومته ونقل ذلك إلى العالم ليأخذ نتنياهو اجماعًا لتنفيذ عملية عسكرية لإنقاذ الأسرى الإسرائيلين في قطاع غزة، وهنا يحضرني ذكاء جلالة الملك عبدالله وتوجيهه لوزارة الخارجية للتعامل مع الموضوع بحذر كبير لأنه كان على ثقة أن التفويض المطلق لحكومة صهيونية متطرفة سيكون كارثيُا،وأن هناك مبالغات كبيرة في موضوع عملية طوفان الأقصى، وأن هناك أهداف خفية للكيان الصهيوني العنصري سينفذها عبر عمليته، فعمل من اليوم الأول وبكل الوسائل اللازمة لحل الأزمة ومنع وقوع كارثة، ولكن كانت قضية معقدة جدا وصعبة بسبب الدعم الامريكي _الأوروبي، ودول أخرى كثيرة لإسرائيل.
لم يستسلم جلالة الملك ولم تنقطع اتصالاته وزياراته لدول العالم للحديث عن القضية الفلسطينية والأسباب التاريخية للصراع، وعن المسار السياسي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وأن هذا ما سيحقق السلام.
أما الكيان الإسرائيلي فقد أعتقد أن عملياته والتي هدفها الإنتقام، والتهجير، والقضاء على فرصة الوصول إلى حل دائم وثابت للقضية الفلسطينية، وان عنليته ستمر في ظل موقف عالمي وعربي متخاذل وبائس تتكرر فيه عمليات الاقتحام والاعتداءات وايقاع الشهداء دون حسيب أو رقيب كما حدث في حروب سابقة، ولكنه كان هذه المرة مجرمًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فقد قصف غزة بمئات الاطنان من القنابل ليل نهار، واخترقت آليات عسكرية اسرائيلية حدود قطاع غزة من كل الجوانب وبدأت إعلانات المجازر والمقابر الجماعية تنتشر وينتشر معها محو أحياء بأكملها وكذلك عائلات كاملة من وجه الأرض، ووقعت الكارثة الأكبر بمنع الدواء والغذاء والمياه والوقود عن القطاع، واستمر موقف الأردن متميزا في دفاعه عن الشعب الفلسطيني، وفي الساحة الاردنية والفلسطينية أستمر الفخر بالشهداء من ذويهم وشعبهم وامتهم، واستنكار الأفعال الاجرامية للعدو الصهيوني على غزة والضفة الغربية، وهنا يحضرني بيت للشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود في فلسطين وهو يقول:
وسابقت النسيم ولا افتخار أليس عليَ أنْ أفدي بلادي
فالشاعر وكل شهيد فلسطيني كلاهما ضحية وشهيد، فالأول سَطَر بدمائه انشودة المجد، والثاني قدَم نفسه قرباناً لأمته دفاعاً عن الاقصى وفلسطين والزيتون والارض التي بارك الله حولها وفيها، فصدق فيهما قول القائل:"والجود بالنفس أقصى غاية الجود".
فالشهيد الفلسطيني سيضحي لأجل فلسطين وسيتحمل قهر الأيام حتى لا يتخذ ظالم غشوم ، مُسلَح بكل أدوات القتل و التخريب ، استكانة اهل فلسطين سبيلاً الى تهويد ما تبقى من الارض والشجر والهواء والماء والبشر.
لقد قتل جيش الاحتلال الصهيوني بدم بارد عشرات الآف من أبناء الشعب الفلسطيني واصاب ما يقرب من مائة الف مصاب، و هنا لنا في قتل اهل غزة وحصارها وتجويع ابنائها اكبر المثل على وحشية نظام الفصل العنصري الصهيوني الذي دمر كافة المستشفيات ومنازل المواطنين ومنع المساعدات لاجبارهم على الرحيل والهجرة، وكان نتنياهو يعتقد أن ممارساته وكذبه سيستمر مدعومًا دوليُا.
لقد كانت قضية مصادرة الاراضي وتهويد البلاد والعباد واقتحام المسجد الأقصى و اقامة جدار الفصل العصري الذي اقامته سلطات الاحتلال شغل الأردن الشاغل ولم تغيب يومًا ولذلك رغم التحديات والقصف اليومي لقطاع غزة والدعم الدولي للكيان، كان الأردن يسير بخطوات ثابتة قوية ومتينة لإدخال المساعدات الاغاثية والطبية والانسانية للاهل في غزة والضفة الغربية من مستشفيات ميدانية في غزة والضفة، واستمرار العمل على المستوى العربي والإسلامي والدولي لتحليل الوضع الفلسطيني بشكل شمولي وعميق وتاريخي.
وهنا حدث التغيير الذي يريده الأردن أن يتراكم حتى يتحقق للشعب الفلسطيني أهدافه في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وقادت تحركات الأردن والمجموعة العربية والإسلامية بكشف جرائم الاحتلال الصهيوني وسياسات وإجراءات انتقامية مجرمة يمارسها الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية إلى إعادة الرئيس الأمريكي بايدن والمجتمع الدولي الذي ضرب بالمعايير الإنسانية والأخلاقية عرض الحائط ليمارس ازدواجية في المعايير، ولكن
سياسة الكيان الصهيوني التي كانت تمثيلًا واقعيًا لسياسة التسلط والظلم، وسقوطا لميزان العدالة في كيان قام على القهر والظلم والاستبداد، والعالم يقف متفرجًا على انتهاكات تجاوزت العقد السابع ببضع سنوات ليكون الاقتحام والاعتداءات والجرائم الجديدة عنواناً آخر على شدة القمع والتجبر لهذا الكيان الصهيوني العنصري والمستبد، لولا الجهود الملكية السامية والعربية وبعض دول العالم في كشف حقيقة هولوكست غزة، فكانت موجة التغيير التي لا زال نتنياهو وفريقه الوزاري يقاومها بالتحرك للحد من جريمة العصر، وكانت تصريحات الرئيس الأمريكي لافته في هذا السياق.
ولكننا نقول لان المجازر والمقابر الجماعية مستمرة في غزة والضفة من قتل للأطفال والنساء والشيوخ وتدمير المساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس مستمرة في إثبات للأسف ان القوانين الدولية في أصولها ،والدساتير الحكومية في نصوصها وملحقاتها عاجزة نسبيًا ، و أن ما يحدث في فلسطين انتهاك وتجاوز ،ولكن ان تعلق الامر بالانسان العربي أو المسلم يقولون فيه " لكم دينكم ولنا دين " ،فهل تم التغيير فعلآ ونشهد وقفا لإطلاق النار والبدء في عملية سياسية كما تحدث عنها جلالة الملك بوصفها الحل الوحيد لوقف العنف والتصعيد.
إنَ الذين يرسمون السياسة في عصرنا قد غرتهم القوة ،واستمرأوا الظلم ، وما عاد يهمهم إلا مصالحهم على حساب الشعوب الصغيرة والضعيفة ، وأما الشعب الفلسطيني ، فإن روحه قوية قوة جبال الجليل وجبل الشيخ ،وصدره واسع اتساع صحراء النقب وامتداد سواحلها . وما من أمَة فيها مثل شهداء فلسطين ستموت ، فهي الأرض قلبها صخر ، ولكنه معطاء يتصبب منه الماء بقوة النهر العظيم، وسيقى الاردن العظيم داعمًا ومعززًا لفلسطين حتى ينال حقوقه المشروعة.